لوح طيني يكشف أن البابليين القدماء استخدموا حساب التفاضل والتكامل لتتبع كوكب المشتري قبل 1500 عام من الأوروبيين. مصدر الصورة: بينتريست
أصبح من الممكن في عصرنا الحالي، التنبؤ بوقوع الحوادث الفلكية النادرة والاستعداد لها، لكن هل كان الأمر كذلك في الأزمان الغابرة؟
رغم أن الأبحاث العلمية كما نعرفها اليوم لم تكن بالنضج الذي هي عليه الآن، حاولت نخب الشعوب القديمة إعطاء تفسيرات للظواهر الطبيعية والفلكية بعيدا عن التخمينات التي كانت تربطها بنذر الشؤم كما كان الحال مع الكسوف.
أول كسوف موثق
قال موقع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) إن الألواح البابلية، التي تسرد الكسوف بين عامي 518 و 465 قبل الميلاد، تسجل أول كسوف كلي للشمس شوهد في أوغاريت في 3 مايو 1375 قبل الميلاد.
وأوغاريت مدينة ساحلية قديمة في شمال سوريا، على بعد حوالي 10 كيلومترات شمال اللاذقية الحديثة.
واحتفظ المنجمون البابليون بسجلات دقيقة حول الأحداث الفلكية بما في ذلك حركات عطارد والزهرة والشمس والقمر على ألواح يعود تاريخها إلى الفترة من 1700 إلى 1681 قبل الميلاد.
وحددت السجلات اللاحقة حدوث كسوف كلي للشمس في 31 يوليو 1063 قبل الميلاد، والذي "حوّل النهار إلى ليل"، والكسوف الشهير الذي حدث في 15 يونيو 763 قبل الميلاد، والذي سجله المراقبون الآشوريون في نينوى.
دورة ساروس
من خلال ملاحظة خسوف القمر والشمس المحلي بعناية، تمكن علماء الفلك البابليون في النهاية من التنبؤ بخسوف القمر وكسوف الشمس اللاحق بدقة معقولة.
وكانت أداتهم هي ما يسمى بدورة ساروس، وهي فترة 223 شهرا مجمعيا (أو 18 عاما و11.3 يوما) يتكرر بعدها خسوف القمر والشمس.
ونقل موقع "ناسا" عن جي ستيل، من جامعة دورهام بالمملكة المتحدة، قوله إن مقارنة 61 تنبؤاً بكسوف الشمس أجراها علماء الفلك البابليون بعد عام 800 قبل الميلاد مع التنبؤات الحديثة كشفت أن جميع التنبؤات البابلية تتعلق بأحداث كانت مرئية بالفعل في مكان ما على سطح الأرض، "وهذا يمثل إنجازا ملحوظا" وفق قوله الذي نقله موقع "ناسا".
من جانبه، يقول إيكارت فرام، المؤرخ وأستاذ علم الآشوريات في جامعة ييل في كونيتيكت في الولايات المتحدة، إن كسوف الشمس كان يمثل حدثا كبيرا جدا في العالم القديم ولا سيما في بلاد ما بين النهرين، وكان له تأثير كبير على النفس الجماعية.
وعلم الآشوريات، المعروف أيضا باسم دراسات الشرق الأدنى القديم، هو الدراسة الأثرية والأنثروبولوجية والتاريخية واللغوية لشعوب المنطقة التي تضم اليوم العراق وسوريا والكويت وتركيا.
وشدد فرام في حوار مع الإذاعة الأميركية العامة "أن بي آر" على أن الكسوف "على وجه الخصوص" كان في الماضي القديم ذا تأثير كبير على النفس الجماعية في بلاد ما بين النهرين، "وربما كان هذا هو الحال في جميع أنواع الحضارات القديمة الأخرى أيضا".
وتابع "لكن في بلاد ما بين النهرين، لديك الكثير من التسجلات النصية لأن الناس كتبوا على الصخور والألواح، وتلك الصور والكتابات تتحدث عن مشاهدات الكسوف وما تعنيه تلك الكسوفات للأشخاص الذين عايشوا ذلك الوقت".
ولم يكن لدى شعوب ما بين النهرين، تلسكوبات، لكنهم شاهدوا السماء دائما وراقبوا ما يحدث، وفق هذا الخبير.
وفي بابل بدءا من القرن الثامن وحتى القرن الأول قبل الميلاد، كانت هناك متابعة لما كان يحدث للشمس والقمر. "لقد سجلوا كل الكسوفات، وحركة الأقمار، والكواكب، وما إلى ذلك، وربطوها إلى حد ما بأحداث التاريخ"K وفق فرام الذي شدد على أن ذلك، أدى إلى صقل علم الفلك خلال القرون الأخيرة قبل المسيح في بلاد ما بين النهرين.
معتقدات
رغم التقدم النسبي في متابعة الكسوف دوريا، إلا أن الفهم العام له ارتبط بمعتقدات دينية وتاريخية وحتى سياسية في بابل.
كان هناك خوف من أن الكسوف يجلب سوء الحظ، خاصة للدولة. وكانت الشمس تجسيدا للدولة، وخاصة الملك. لذلك، كان يعتقد أن كسوف الشمس يتنبأ بشكل خاص بسوء حظ الدولة.
ورغم ذلك كانت هناك عوامل مخففة، لهذا التبؤ، وفق فكرهم، فعلى سبيل المثال، عندما يكون كوكب المشتري مرئيًا في وقت الكسوف وطوال الشهر، فهذا يعني أن الأمور ربما لم تكن سيئة تمامًا. وإذا كان المشتري على الأقل لا يزال مرئيًا، فلن تكون الأمور كارثية.