الإسرار في الصلاة السرية والجهر في «الجهرية»



ما حكمة الإسرار في الصلاة السرية، وحكمة الجهر في الصلوات الجهرية؟
الجواب، وبالله التوفيق:
المسلم مأمور باتباع النبي، صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، سواء علم الحكمة أم لم يعلمها، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21.
مع الجزم بأن الشريعة مبنية على الحكم العظيمة الباهرة، لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها ونجهل بعضها الآخر.
جاء في حاشية الجمل على شرح المنهاج 1/359: «بقي حكمة الجهر ما هي؟ ولعلها: أنها لما كان الليل محل الخلوة، ويطيب فيه السمر، شرع الجهر فيه إظهاراً للذة مناجاة العبد لربه، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما، والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس، طلب فيه الإسرار، لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة، وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلاً للشواغل عادة كيوم الجمعة» انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: (2/91): «وأما التفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار في الجهر والإسرار ففي غاية المناسبة والحكمة، فإن الليل مظنة هدوء الأصوات وسكون الحركات وفراغ القلوب واجتماع الهمم المشتتة بالنهار، فالنهار محل السبح الطويل بالقلب والبدن، والليل محل مواطأة القلب للسان، ومواطأة اللسان للأذن، ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر على سائر الصلوات، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقرأ فيها بالستين إلى المائة، وكان الصدّيق يقرأ فيها بالبقرة، والفاروق عمر بالنحل وهود وبني إسرائيل ويونس ونحوها من السور، لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل حين انتباهه من النوم، فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله الذي فيه الخير كله بحذافيره صادفه خالياً من الشواغل فتمكّن فيه من غير مزاحم، وأما النهار فلما كان بضد ذلك، كانت قراءة صلاته سرية، إلا إذا عارض في ذلك معارض أرجح منه، كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف؛ فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود، وأنفع للجمع، وفيه من قراءة كلام الله عليهم وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة.