ما لا يُنال بالأسباب، يُدرك بالدعاء.. «الخشوع»
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: آية 23].
نيّة الإنسان الصالحة تقوده إلى التوفيق أكثر من عمله. فمن أوجد نية الخير في قلبه أعانه الله عز وجل في عمله وقوله ووفقه لمبتغاه.
وإن المرء إذا تعلق قلبه بالله تبارك وتعالى ازداد نضجه ووعيه، وكثر علمه وحَسُنَ حِلمه، وانطفأت عنده رغبة الجدال شيئاً فشيئاً، وبات أبعد عن الملاسنة والشتم، وأقرب إلى التجاهل والتغافل، وأيقن أن وقته أغلى من تضييعه في جدال لا فائدة منه. وصحته أولى من انتصار عابر في مواقف عصبية يحب فيها ذاته ويتحدث بكلام غير عُقلائي حتى يرضى عن نفسه، وتكون النتائج التكوينية في شدة الخطورة علينا وعلى أهلنا لأنها لا تخلو من قول الزور ”غيبة - نميمة - بهتان - ظلم - كذب....“.
قال الإمام علي (ع): ”إياكم والمراء والخصومة، فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان، وينبت عليهما النفاق“ [الكافي].
قال الإمام الصادق (ع): ”إياك والمراء فإنه يحبط عملك، وإياك والجدال فإنه يوبقك، وإياك وكثرة الخصومات فإنها تبعدك من الله“ [تحف العقول].
”ثق تماماً بأن المجادلة ليست من الله عز وجل ولا أهل البيت (عليهم السلام)، بل كله لإبليس يتقوت به، وهناك فرق بين من ينشد الحقيقة أو من يريد نفسه في الجدال، يريد أن يظهر فضله أمام الناس“.
قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: آية 46].
يروى عن رسول الله (ص): ”رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس، واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر“ [صحيفة الرضا (ع) ].
من يحسن التعامل مع الخلق سيتمكن من فهم الله عز وجل أكثر، بل الشخص الذي يكون لله أقرب تعلو أخلاقه كما هو حال خاتم النبيين (ص) الذي قال ”إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق“ كنز العمال. والذي قال في حقه رب العالمين: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: آية 4].
من هذه الآيات والأحاديث تتضح أهمية التودد للناس. وهناك فرقٌ شاسع بين ”الخُلق“ و”التخلق“، فالخُلق هو نابع من باطن الإنسان وتصرفاته بعفوية لا إرادية، ومع مرور الأيام سيظهر المتصنع على حقيقته في أبسط المواقف والظروف...
اعلم أيها العزيز الغالي:
إن للقلب سمعاً وبصراً ولساناً وشماً، وأن من الخواطر ما يقع في سمع القلب فيكون فهماً، ومنها ما يقع في لسان القلب فيكون كلاماً وهو الذوق، ومنها ما يقع في شم القلب فيكون علماً وهو العقل المكتسب بتلقيح العقل الغريزي، فالقلب اسم جامع يقتضي مقامات ”الباطن كلها“.
هذه الحياة قصيرةٌ جداً، لذلك اجْتَهَدَ ما استطعت على أن تكون ربانياً في أخلاقك، وتعاملاتك، وكلماتك، وكل حركاتك وسكناتك، وبشكل عام غض الطرف عن زلات الناس، وبالخصوص عن إخوانك المؤمنين والمؤمنات.
يقول الله تعالى {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: آية 10].
هنا تسموا روحك في ذات الله تبارك وتعالى وتُدخِل الفرح والسرور على قلوب آل محمد.
بكل سهولة يستطيع الإنسان إزالة الاضطرابات والقلق والتوتر والخوف عندما يكون جليساً لله عز وجل، لأن الجليس يتأثر بصفات جليسه.
ففي ”الصلاة“ نحصل على الهدوء والطمأنينة والاستقرار، كُلما كان اتصالك بالله سُبحانه وتعالى قوياً ”وأتقنت الخشوع“؛ كان اتصالك بالناس سهلاً {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: آية 45].
حالة الاستثناء عند من يُتقن الاتصال بالله عز وجل في جملة ”إلا على الخاشعين“ هنا يكمن السر بما أنك تملك صبراً جميلاً، ومُسيطر على هدوءك وخشوعك في الصلاة، وتضبط انفعالاتك وأعصابك وتركيزك وعند الغضب لا تتحدث عن الناس، ومنصهر في ذات الله عز وجل، سوف يسهل عليك التواصل مع المخلوقين وسوف تظهر حاجتهم الشديدة إليك.
”لأنك ستصبح من عُمال الله في أرضه“، مهما كان عقل الشخص كبيراً أو صغيراً.
وعداد العمر لا يساوي شيئاً بالنسبة ”لوزن العقل والتفكير المؤيد بتسديدٍ من الله عز وجل....“
ومصداق ذلك الخشوع في هذا الحديث الشريف، ورد عن أبي عبد الله (ع) قال: ”إن المؤمن يخشع له كل شيء. ثم قال: إذا كان مخلصا لله قلبه، أخاف الله منه كل شيء حتى هوام الأرض، وسباعها وطير السماء“ [صفات الشيعة].
ومصداق تلك الحاجة إليك في هذا الحديث الشريف: ورد عن الإمام زين العابدين (ع): ”ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه“ [كتاب الدرة الباهرة].
ملاحظة مهمة ينبغي الالتفات إليها..
إن من آثار الحرام بكل أنواعه والذنوب وكثرة الفضول في حياة الإنسان، وخاصة ”الحرام النظري“، و”الحرام السمعي“ من شأنها تشويش البال. ويبتلى الفرد منا بعدم التركيز والخشوع، وهذا يؤدي إلى ”التشاؤم“ و”الفشل“ في حياتهم العبادية والاجتماعية والعِلمية والعَملية، وهذه من عقوبات رب العالمين الخفية.
”أنت لا تعلم كم سَتتطهّر روح الإنسان إذا أعطى من وقته ساعة مِنَ الليل والنهار ليبوح فيها بأسرارِهِ إلى الله الخالق“.
وألفت نظرك إلى زاوية جداً جميلة تزيدك تأثراً في نفسك وتأثيراً في من حولك وتكسبك هدوءاً وطمأنينة عالية جداً، عندما تقرأ القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك أنت تتحدث بكلام الله عز وجل، وعندما تقرأ الأدعية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، أنت تدعو الله عز وجل بلسان آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين