اليمانيون، كأن الله طوع لهم كل شيء، مثل اعجازهم في القتال فهم يبدعون حين يدونون للرد على أعدائهم..
في ذكرى عدوان الإعراب على أول التاريخ وبداية الحضارة...
يكتب مصطفى عامر.
أتذكّر ٢٦ مارس جيّدًا، وأتذكّر الأيّام التي تليه.
كلّ المواقف التي شكّلت فارقًا أتذكّرها تمامًا، وإذا نسيتُ فإنّ في الإرشيف ما يُعينني على إنعاش الذّاكرة.
فالتّوثيق- بالطّبع- ضرورة، وقراءة البدايات والنّهايات متعة، وغدًا سوف نرحل جميعنا إلى التّاريخ، ولا أريد لأحفادي أن يقرؤوا تاريخًا مزوّرًا، أو تنقصه الأدلة.
وهذه الحرب منذ يومها الأوّل كانت حربًا شاملةً بين النقائض كلّها:
العرب والأعراب، اليمن والسّعودية، حضارة مُنتهاها إرم بن سام بن نوح، وحضارةٍ مُبتداها سروال المؤسّس.
وقبل أعوامٍ بدا أنّ سلمان قد اشترى كلّ شيء!
السّلاح والجنود والجامعة العربيّة والمؤتمر الإسلاميّ والأمم المُتّحدة، والدّعاةُ والتّقاةُ والقوميّين العرب والاشتراكيين العرب، وكَتَبَة الأعمدة وقُرّاء الصّحف وأئمة المساجد وحفّاريّ القبور وولاة الأمور، والإنس والجانّ ومصر وباكستان والمغرب والسّودان وعبدالملك المخلافيّ وياسين سعيد نُعمان!
وكُنّا وحدنا، نحنُ وهذه الأرضُ وكرامةٌ منذ آدم، يرافقنا صوتُ الأسلاف العظام: لا تبتئسوا.
وإيمانٌ قبله بأنّ الله معنا.
والنّاس صفحاتٌ في خاتمة المطاف، وقد مررنا منذ بداية الحرب بسرديّات المرذولين سِقط المتاع وسفلة القوم،
تلك التي تقول بأنّ العين لن تكسر المخرز، وقوّة الحقّ تغلبها وفرة المال، والكرامة على أيّة حالٍ لا يمكنها إسقاط الإف١٦، وحضارة آلاف السنين تسحقها دبابة ابرامز، أو عَرَبَة برادلي!!
لقد كانت على أيّة حالٍ معركةً هائلةً بين مصفوفتين متعارضتين من القِيم، وأعترف: في بداية الحرب لم أكن واثقًا من النّصر، لكنّني كنتُ مؤمنًا بضرورة الانحياز لما نؤمن به حتى لو ذهبنا جميعنا إلى القيامة.
وها نحن قد ذهبنا إلى ٢٠٢٤م، ها نحن إذ نمسك البحر من أطرافه، ونمسك المجد أيضًا من أطرافه!
ها نحن وخلال تسعة أعوامٍ مررنا بدروس مائة عام، وبدا التّاريخ مستمتعًا بأداء دور الحكواتي، أمّا أنا فلم أكن أتوقّع على الإطلاق بأن يتفوّق الجنديّ اليمنيّ على سرديّات الزّيف إلى هذا الحدّ، وبولّاعة سجائرِهِ الصّفراء يُشعل حضارة مُحدثيّ النعمة برمّتها.
بمالها وسلاحها ونفطها وعبيدها ونعاجها التي لم تفهم بعد، ولن تفهم قط!
كما أنّها وفق أغلب المؤرخين تقاوم الفهم منذ بدء الخليقة.