مذ كنتُ طفلاً شهيدُ الحيِّ كانَ أبي
نالَ الشهادةَ فاستعلى على الرُتَبِ
هو الذي قد تسامى في مخيلتي
بدراً الى الآن لا يغفو …ولم يَغِبِ
أراه كلَّي لبعضي صارَ …منجذباً
والبعضُ للكلِّ في جذبٍ لمنجذبِ
يغدو بي العمرُ محمولاً على وجعٍ
حتى كبرتُ بجُرحٍ …..غيرَ مُنقضبِ
فلي ضحىً لم يزلْ في قعرِ داجيةٍ
يراودُ الروحَ في أنفاسِ ….مرتقبِ
أمشي أمامي تراءتْ ألفُ ثاكلةٍ
كأنهنَ عناوينٌ ……من الغضبِ
بي ألفُ جُرحٍ بدمعِ العينِ امسحه
ما زالَ تحتَ غطاءِ الصبرِّ والحُجبِ
لكنْ تَشافتْ جروحي عندما بصرتْ
عيناي وجهَ أبي …….مابين ألفِّ نبي
مابين كل شهيدٍ صرتُ …..أرمقُه
حسبي تربعَ عرشَ السادةِ النُجبِ
فيا له من مقامٍ جَلَّ…صاحبه
كأنَّ مسراه بين الدرِ والذهبِ
كلُّ المآثرِ في الهيجاءِ ……..يحملُها
شهماً شجاعاً ابيَّ الضيمِ في النَّوبِ
حسبي به فارساً والموتَ غايته
لم يخشِ صارمَه يوماً ولم يهبِ
ماغابَ يوماً وفي نجواه كنتُ أنا
كأنَّ ذكراه تمحو قسوةَ ..التعبِ
وصوته خالدٌ للآن ……أسمعه
فكراً تجلى على ديباجةِ الكُتبِ
يُعطي دروساً جهادُ النفسِ أولها
وما لها آخرٌ في الخُلُقِ …..والادبِ
كانتْ له صفحةٌ بيضاءُ ناصعةً
تحكي مزاياه في طيبٍ فواعجبي
وكان لي منهجاً كالدرسِ أحفظه
وهامةً لم تزلْ مرفوعةَ… النَسبِ
يا راسماً فوق دربِ التيه ……..خارطةً
حتى رسمتَ الضحى في عينِ كلِّ صبي
على خطاه سأمضي دونما ……وجللٍ
إذ لم ادعْ من ظنونِ الوهنِ من سببِ
مستوفياً كان شرطَ الله مذ كتبتْ
كفاه عهداً بصدقٍ ….غير منقلبِ
نالَ الخلودَ بفخرٍّ ليس يعرفه
إلّا الذي نالَ خيرَ الله بالطلبِ
نمْ مطمئناً غداً ألقاكَ….. ياأبتي
على رضا الله من داعٍ ومُحتَسبِ
حياً أراكَ جليسَ الروضِ ..متّكئاً
على المكارمِ بين التينِ والعنبِ
أفديتَ نفسكَ عند الله ..محتسباً
فارجعْ إليه وخذْ من خيره وطبِ
داوود السماوي