الوقت يطير حرفيا حينما نكون مستمتعين ويكاد يتوقف حينما نشعر بالملل (شترستوك)
ربما تستغرب لو علمت أن هناك سببا علميا وراء شعورك بأن الوقت يمر سريعا حينما تكون مستمتعا، ويمر بطيئا جدا حينما تشعر بالملل، إضافة إلى شعورك بأن الزمن أصبح يمر بسرعة مع تقدمك في العمر مقارنة بالوقت حينما كنت صغيرا.
لقد درس العلماء الكيفية التي يعمل بها شعورنا بالوقت، وتوصلوا بالفعل إلى أنه بينما يظل المقياس الأساسي للوقت يظل ثابتا ودقيقا (تعمل أدق الساعات في العالم بوتيرة ثابتة، حيث تخطئ بمقدار ثانية واحدة فقط كل 300 مليون سنة)، فإن تصورنا له يظل شخصيا وعرضة للتشويه، فالدماغ لا يحافظ على الوقت مثل الساعة العادية، وهذا يرجع إلى مجموعة متنوعة من العوامل منها الاهتمام والذاكرة والعواطف والإيقاعات البيولوجية والعمر.
إن إدراك الإنسان للوقت مرن للغاية وليس جامدا مثل دقات الساعة الميكانيكية، حيث يكون إدراكنا الداخلي للوقت قادر على التمدد أو الضغط استجابة لحالتنا العقلية والعاطفية والبيئة وحتى الظروف الفسيولوجية.
فتجربة الشعور بأن الوقت يتسارع أو يتباطأ تجربة شائعة، حتى إنها أصبحت جزءا من مصطلحاتنا اليومية التي نعبّر من خلالها عن حبنا لشخص ما بأن الوقت يمر سريعا بصحبته، أو أن هذا العمل ممل لدرجة أن مخّنا يكاد يتوقف.
ولكن ما الذي يسبب هذا التصور الغريب للوقت، وما الذي يجعل الوقت يبدو وكأنه يتسارع أو يتباطأ؟
وفقا لموقع لايف ساينس، فإنه من المؤكد أن هناك العديد من آليات التوقيت في الدماغ، ويقصد بها "آليات التوقيت الذاتية"، وهي ليس لها علاقة بإيقاعات الساعة البيولوجية المعروفة أو كيفية ارتباط جسمنا بدوران كوكب الأرض على مدار الـ24 ساعة.


إدراك الوقت تفاعل معقد بين انتباهنا وذاكرتنا وعواطفنا (شترستوك)
ساعة الدماغ الداخلية
وجد علماء الأعصاب أن دماغنا يحتوي على "ساعة داخلية" قابلة للتكيف يمكنها التمدد أو تقليص الوقت بناء على تجاربنا وحالات وعينا، وفقا لموقع ميراج نيوز
واستنادا لنموذج "ساعة الدماغ" هذه فإن أدمغتنا تنتج نبضات أو "دقات" على فترات زمنية معينة، وهو ما نعتبره مرور الوقت. فعندما نكون متحمسين أو خائفين، تنتج أدمغتنا المزيد من النبضات في فترة معينة مما يجعل الوقت يبدو وكأنه يتباطأ، وعندما نكون مسترخين أو مشتتين، تنتج أدمغتنا عددا أقل من النبضات مما يجعل الوقت يبدو وكأنه يتسارع.

دافع الوصول للهدف

وكما يذكر موقع ميديكال نيوز توداي، فإنه عندما يمر الناس بمشاعر أو حالات إيجابية فإنهم يشعرون بأن الوقت يمر بشكل أسرع مما يحدث عندما يواجهون مشاعر سلبية، ومع ذلك أظهرت الأبحاث أدلة على أن الحالات الإيجابية ليست جميعها متساوية.
وأظهرت دراسة نشرت نتائجها في 2012 في مجلة علم النفس التابعة لجمعية العلوم النفسية، أن الوقت يمر بشكل أسرع عندما نرغب في الاقتراب من شيء ما.
وهذا يعني أن الوقت عندما يتحرك بشكل أسرع يكون نتيجة لرغبتنا في الاقتراب أو متابعة شيء ما، وليس تأثيرا أكثر عمومية لزيادة الاهتمام أو الإثارة الفسيولوجية.


يبدو أن الوقت يتسارع أيضا مع تقدمك في السن (شترستوك)

ساعة الدوبامين

وجد الباحثون أن مجموعة من الخلايا العصبية التي تطلق الناقل العصبي "الدوبامين" -وهو مادة كيميائية مهمة تشارك في الشعور بالمكافأة- تؤثر في كيفية إدراك الدماغ للوقت، فعندما تستمتع تكون هذه الخلايا أكثر نشاطا وتفرز الكثير من الدوبامين، ويحكم عقلك على أن وقتا أقل قد مر بالفعل. وعندما لا تستمتع لا تفرز هذه الخلايا الكثير من الدوبامين ويبدو أن الوقت يتباطأ.
تقول فرضية ساعة الدوبامين أن زيادة إطلاق الدوبامين يؤدي إلى تسريع الإحساس الذاتي بالوقت، أي الساعة الداخلية. فالأحداث الممتعة بشكل غير متوقع تعزز إطلاق الدوبامين، مما يؤدي إلى تشغيل ساعتك الداخلية بشكل أسرع، فينمو إحساسك الشخصي بالوقت في هذه الحالة بشكل أسرع من الوقت نفسه.

الذاكرة

تلعب ذاكرتنا أيضا دورا حاسما في الشعور بالوقت، فعندما نقضي وقتا ممتعا لا يقوم دماغنا عادة بتخزين ذكريات تفصيلية، لذلك يبدو أن الوقت مر بسرعة عند تذكره لاحقا. وعلى العكس خلال فترات الملل، يميل دماغنا إلى تخزين المزيد من المعلومات، مما يخلق الانطباع بأن الفترة استمرت لفترة أطول عندما نتذكرها لاحقا.
التقدم في العمر
يبدو أن الوقت يتسارع أيضا مع تقدمك في السن، فعندما تكون طفلا يكون كل شيء جديدا، وبالتالي يضع دماغك شبكات كثيفة لتذكر تلك الأحداث والتجارب مما يجعل الوقت يبدو وكأنه يتباطأ. وحينما تصبح شخصا بالغا تصبح التجارب التي تمر بها مكررة ولا تعمل على تحفيز أو تكوين ذكريات جديدة مما يجعل الوقت يبدو وكأنه يتسارع. لذلك يتحسر الكثيرون على وقت الشباب ويتساءلون أين ذهب.


الوقت يمكن أن يتشوه بسبب تأثيرات السرعة والجاذبية مما يجعل الوقت مرنا حرفيا في الكون المادي (شترستوك)

دور الانتباه

أحد العوامل الرئيسية في إدراكنا للوقت هو مستوى انتباهنا، فعندما ننخرط في مهمة ما ونستمتع بها فإننا نولي اهتماما أقل لمرور الوقت، مما يجعل الوقت يمر بشكل أسرع. وعندما نشعر بالملل أو الانتظار فإننا ندرك تماما كل ثانية مما يجعل الوقت يبدو وكأنه يزحف زحفا.

تجربة الوقت لدى الحيوان

تجربة مرونة الوقت ليست مقتصرة على البشر، إذ تظهر الأبحاث أن الحيوانات أيضا تتمتع بمرونة إدراك الوقت. ففي مملكة الحيوان تدرك الحيوانات الصغيرة ذات معدلات التمثيل الغذائي الأسرع مثل الذباب أو الطيور؛ أن الوقت يمر بشكل أبطأ مما هو عليه في الواقع، مما يسمح لها بالتفاعل مع المحفزات البيئية بسرعة أكبر.

تمدد الزمن في الكون

يوفر مبدأ تمدد الزمن في النظرية النسبية لـألبرت آينشتاين رؤية علمية عميقة لمرونة الزمن، ويشير تمدد الزمن إلى فكرة أن الوقت يمر بمعدلات مختلفة بالنسبة للأجسام التي تتحرك بالنسبة لبعضها البعض أو الموجودة في مجالات جاذبية مختلفة، وهذا يعني أن الوقت يمكن أن يتشوه بسبب تأثيرات السرعة والجاذبية، مما يجعل الوقت مرنا حرفيا في الكون المادي.
لذا، في المرة القادمة التي تستمتع فيها وتشعر بأن الوقت يمر سريعا، اعلم أن ذلك يحدث في رأسك فقط، لأن إدراك الوقت هو تفاعل معقد بين انتباهنا وذاكرتنا وعواطفنا والناقلات العصبية لدينا وحالاتنا الداخلية وكيفية معالجة دماغنا للمعلومات.