شهدت العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية تحولاً دافئاً في غضون الأسابيع الماضية.. ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا: إن التحولات والتغييرات في هذا الملف عزيزة وعسيرة وهي مخاض سياسي حقيقي ولا تشبه -في طبيعتها- الملفات الأخرى للجوار العراقي او الجوار الإقليمي. فالسعودية دولة صعبة وسياساتها وإن كانت مثيرة ومؤثرة وخياراتها غالباً ما تكون استراتيجية. ولكن التغيير الراهن، وان كان في بداياته يؤشر الى تغيير من ذات الطبيعة التأريخية الا ان له نفحة مميزة قد تؤدي الى انتعاش الاستقرار.
وإذ فتح الربيع العربي الأبواب على الكثير من الشياطين والأبالسة ودشن شروراً كثيرة مع انه ازاح الطبقة المتعفنة من الأنظمة العربية التي ظلت متمسكة بالنسيج الأمني والمخابراتي للدولة متغاضية عن آمال الشعوب وتطلعاتها؛ فرض تحديات مستجدة على المملكة لم تعد المعادلات السابقة قادرة على تسويتها.
فالتطورات اللاحقة افزعت -الى حدٍّ ما- الساسة السعوديين، إذ كشفت طموح شبكة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ابتداءً من مصر وانتهاءً بتركيا للسيطرة على المنطقة عن طريق استغلال التحولات الليبرالية التي اعقبت الربيع. ولهذا فإن المملكة العربية السعودية التي استبشرت خيراً بالنفحة الإسلاموية المقبلة بخطاها السريعة؛ وجدت ان المجتمعات الثائرة التي تمور بالغضب وتعاني من الحرمان والفاقة لا تتحمل مثل تلك الطموحات، بل انها كشفت أن البعد الديني من الربيع لم يقدم الجواب المنتظر، لهذا فالرياض توقفت في منتصف الطريق الى تشكيل محور الانقلاب الديني الذي يضم اسطنبول والدوحة، ورجعت على اعقابها لتراجع السياسات الإقليمية التي تشوشت بسبب الحسابات الخطرة لمحور تركيا- قطر. ووجدت انهما في سوريا ام العراق، الأمر سيان، تقترفان مغامرة كبيرة وباهظة الثمن والمستقبل غير واضح والخسائر والدمار بالغان.
قبل عدة اشهر كان الأمير سعود الفيصل يتجرأ علينا بإعلان ان المملكة لا تنظر بالرضا الى تجربة العراق "نظامكم لا يعجبنا" كما قال الأمير للرئيس طالباني والوزير زيباري.. اليوم فقط عادت المملكة الى القناعة الإيجابية في ان التعاون بين العراق والمملكة هو مفتاح الأمن الإقليمي والاستقرار الاقتصادي. وان عراقاً يتشارك في الممارسة السياسية الإقليمية وينسق خطواته معهاً؛ انما هو الخيار الممتاز والمثمر والقويم.. ولا شك في ان القيادة العراقية كانت صبورة جداً على استفزازت الصحافة السعودية واسعة التمدد والانتشار التي تتغذى على بقايا العقائد السقيمة لمرحلة الحرب الباردة فراهنت على حكمة القيادة السعودية. وأدرك البلدان ان المفاتيح الأربعة للتوازن العربي التي هي مصر وسوريا والسعودية والعراق لم يبق منها الا مفتاحان عاملان وفاعلان، فلا تفريط بأحد منهما والا فالعواقب وخيمة.
في العراق نرى مكاسب كبرى من تعاون هذين البلدين اولها يعود الى شعوبنا بالمنفعة، فالعراق منطلق نحو بحبوحة اقتصادية كبرى والمملكة المستقرة والمتينة اقتصادياً لها مصلحة بالمحافظة على توازن الإقليم.. هنا فرصة لقمع النزعات الطائفية وتعزيز المحور البنّاء العربي والإسلامي وسط الأمواج الهائجة.
جريدة الصباح