رجل أمن أمام مقر انتخابي في طهران

في أحد الملصقات الرسمية التي استخدمها النظام الإيراني في الترويج للانتخابات، رسمت صورة جسر يمر من خلال ورقة تصويت عليها العلم الإيراني، فيما كتب "الانتخابات هي الطريق إلى الأمن".
وفي 28 فبراير، ظهر الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي في لقاء مجموعة من الشباب، محذرا من أنه "إذا كانت الانتخابات ضعيفة فلن يستفيد أحد وسيتضرر الجميع، وإذا استطعنا أن نظهر للعالم أن الأمة حاضرة في المشاهد المهمة والحاسمة للبلاد، فقد أنقذنا البلاد ومضينا قدما".

منشور دعائي على موقع خامنئي يقول إن الانتخابات طريق للأمن

وعلى مدى الشهرين الماضيين، برز العديد من ممثلي خامنئي أيضا إلى الواجهة وناشدوا المواطنين المشاركة في الانتخابات التي كانت تعد بمثابة اختبار لشعبية المؤسسة الدينية في وقت يتنامى فيه الإحباط بسبب المشاكل الاقتصادية والقيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية.
والجمعة، عندما أجريت الانتخابات كان خامنئي أول من أدلى بصوته، واصفا التصويت بأنه "واجب شرعي"، لكن كثيرا من مراكز الاقتراع بدت خالية من المصوتين في معظم الأوقات، لدرجة أن السلطات مدت فترة التصويت ثلاث مرات بواقع ساعتين في كل مرة حتى 20:30 بتوقيت غرينتش في حين كان التلفزيون الرسمي يبث الأغاني الوطنية ويحث الناس على المشاركة.


ورغم الجهود الحكومية الكثيرة من أجل تيسير التصويت ومن بينها السماح للمواطنين بالمشاركة بخمس وثائق هوية بما في ذلك البطاقات الوطنية، وشهادات الميلاد وجوازات السفر، والشهادات، وبطاقات نهاية الخدمة العسكرية، بعد أن كانت المشاركة في الماضي من خلال شهادات الميلاد والبطاقات الوطنية فقط، جاءت نسبة المشاركة في الانتخابات هي الأدنى منذ إعلان الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
تشكيك في الأرقام الرسمية
وأعلنت الحكومة الإيرانية الاثنين أن نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة الجمعة بلغت 41 في المئة من الناخبين، مقارنة مع 42,57 في المئة في الانتخابات التشريعية عام 2020.
وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي في مؤتمر صحفي الاثنين إن ما مجموعه "25 مليون" إيراني من أصل 61 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم في انتخابات الجمعة، من دون أن يقدم أرقاما تفصيلية. ويبلغ تعداد سكان إيران 85 مليون نسمة.
ودعي الإيرانيون لانتخاب 290 نائبا في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) و88 عضوا في مجلس خبراء القيادة المسؤول عن اختيار المرشد الأعلى ومراقبة عمله وإقالته في حال تطلّب الأمر. وسيتولى مهمة اختيار خليفة خامنئي البالغ من العمر 84 عاما.
في المقابل يشير المحلل الإيراني المعارض مهدي عقبائي في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أنه "بحسب المعلومات المتوفرة عن طریق الشبکات الشعبیة للمقاومة الإيرانیة الموسعة‌ فإن نسبة المشاركة الفعلية في انتخابات النظام بلغت 8.2 بالمئة فقط، وهو ما يعادل تقريبا 5 ملايين شخص، بحسب منظمة "مجاهدي خلق" التي قامت بعمليات رصد وتحليل البيانات من 1941 مركز اقتراع مراقب".
لكن الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الإيرانية سعيد شاوردي يقول إنه "لا يعقل أنه بعد تمديد الانتخابات لست ساعات إضافية لتستمر حتى الثانية عشر منتصف الليل أن تكون النسبة 10 أو 20 في المئة كما يقولون، هذا يفتقد للموضوعية، كما أن المعارضة تنشر فيديوهات بالنهار لكن المجتمع الإيراني عادة ما يصوت في المساء".
وقال: "شهدنا نسبا متقاربة من هذه النسبة في الانتخابات الماضية، بالرغم أننا شهدنا مشاركة 60 و70 في المئة في بعضها، لكن عندما يقرر الإصلاحيون عدم المشاركة أو تكون مشاركتهم ضعيفة تنخفض النسبة إلى تلك التي رأيناها".
وعزا تراجع نسبة المشاركة إلى عدم مشاركة كثير من الإصلاحيين في هذه الانتخابات "وهو ما أدى إلى وصولنا إلى هذه النسبة، بالإضافة إلى أنه كانت هناك حملة تشكك في الانتخابات وتدعي بأنه لن يكون لها أي أثر على الوضع السياسي والاقتصادي في المستقبل".
لكن عقبائي يقول إن "نسبة المشاركة كانت ضعيفة جدا لدرجة أنه حتى الصحف الحكومية كتبت عن ذلك، وهو ما يعني فقدان النظام لقاعدته الاجتماعیة، فضلا عن أن كثيرا من المصوتين شاركوا بسبب تخويفهم من عواقب عدم المشاركة، فترك بعضهم بطاقة اقتراعه بيضاء أو أبطلها بكتابة كلمات مثل "الغلاء" و"البطالة" و"الفقر" وغيرها".





نموذج من بطاقتين باطلتين

وتشير الصورة السابقة إلى نموذج من بطاقتين باطلتين حيث كتب بدلا من أسماء المرشحين ثلاجة فارغة وطرق مدمرة وسیارة براید منهارة وفي البطاقة الأخرى أسعار الجبن واللحم والزبادي والحلوى بالعملة الإيرانية.
ويشير إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى كثرة الأصوات البيضاء والباطلة أو يصورونها بالصور والرسوم الكاريكاتورية.
ومن الرسوم التي تتداول بكثرة صورة ساخرة تشير إلى أن الأصوات الباطلة أصبحت هي الرئيس الحقيقي للبرلمان بفوزه بأكبر عدد من الأصوات في البلاد.


يشير إيرانيون إلى أن الأصوات الباطلة أو البيضاء هي بمثابة الرئيس المقبل للبرلمان
وبالنسبة لصحيفة "إيران" المؤيدة للحكومة والناطقة بالإنكليزية، فإن التصويت يشكل "دعوة لليقظة" للسلطات التي عليها "الاستماع إلى أصوات 36 مليون شخص لم يصوتوا لأسباب مختلفة".
"مخاوف داخل النظام"
ويرى عقبائي أن "خطابات خامنئي ومواقفه قبل إجراء هذه الجولة من الانتخابات، تدلل على أن هناك مخاوف داخل النظام من احتمال حدوث انتفاضات واضطرابات اجتماعية، خاصة من جانب السكان الذين يعانون من الفقر والبطالة".
واعتبر أن "انخفاض المشاركة أو خيبة الأمل واسعة النطاق بشأن العملية الانتخابية يمكن أن يؤدي إلى تدمير شرعيتهم بشكل أكبر وربما يؤدي إلى تحديات لحكمهم".
واعتبرت صحيفة "هام ميهان" الإصلاحية اليومية أن ذلك يمثل "تراجعا للسلطة"، معربة عن أسفها لـ"ضياع روح الانتخابات".
وكانت "جبهة الإصلاح"، الائتلاف الرئيسي للأحزاب الإصلاحية، قد رفضت المشاركة في هذه "الانتخابات التي لا معنى لها" بعد استبعاد العديد من مرشحيها.
وفي مؤشر رفض، امتنع زعيم المعسكر الإصلاحي الرئيس السابق محمد خاتمي (1997-2005) عن الإدلاء بصوته للمرة الأولى.
قبل الانتخابات، أعرب خاتمي عن أسفه لأن إيران "بعيدة جدا من إجراء انتخابات حرة وتنافسية"، من دون أن يدعو إلى المقاطعة على عكس المعارضين في المنفى.
ووصفت نرجس محمدي، وهي سجينة حائزة على جائزة نوبل للسلام ومدافعة عن حقوق المرأة، الانتخابات بأنها "صورية".




جانب من الانتخابات الإيرانية داخل مركز اقتراع
في المقابل، قال وزير الداخلية الإيراني الاثنين: "على رغم الدعاية التي قام بها الأعداء لثني الشعب عن المشاركة في الانتخابات، ورغم بعض الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الشعب، إلا أن الشعب شارك في الانتخابات".
ورأى إن "الأعداء كانوا يروجون لتشويه أمن الانتخابات، بدءا من أجهزة التجسس إلى الجماعات الإرهابية وغيرهم من أعداء الشعب، لقد تحركوا في هذا الاتجاه، لكننا رأينا أنه تم توفير أمن جيد للغاية في الانتخابات".
وفي مقابل حشد مؤيدي النظام كانت هناك دعوات للامتناع عن التصويت خاصة بعد استبعاد العديد من المرشحين المعتدلين أو الإصلاحيين قبل عملية الاقتراع الأولى منذ الاحتجاجات الواسعة التي هزت إيران عقب وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعد ثلاثة أيام على توقيفها لدى شرطة الأخلاق على خلفية انتهاك قواعد اللباس الصارمة في إيران.
ويقول شاوردي لموقع "الحرة" إن "مجلس صيانة الدستور له آليته لتحديد أهلية المترشحين، ولم يستبعد شخصا وفق مزاجه أو قضايا سياسية".
وأضاف: "كان هناك أكثر من 15 ألف مرشح تم الموافقة على خوضهم الانتخابات من ضمن 49 ألفا وشملوا كل التيارات تقريبا، لكن كانت هناك بعض الوجوه المعروفة من الإصلاحيين في العاصمة طهران لم يتم الموافقة على خوضهم الانتخابات وهو ما أثر سلبيا على نسبة المشاركة".
وترى المعارضة الإيرانية أن نسبة المشاركة فيما وصفتها بـ"مسرحية الانتخابات الهزلية" تشير إلى أن "الشعب لا يرضى بأي شيء أقل من الإطاحة بالنظام"، بحسب ما يقول المحلل مهدي عقبائي لموقع "الحرة".
ويقول إن "النظام خائف من فقدان السلطة بدليل محاولاته اليائسة لهندسة المناخ الانتخابي واستخدام أعذار مختلفة لاستبعاد المرشحين المحتملين فضلا عن تزوير الانتخابات".
"هندسة النظام الانتخابي"
تشمل الأدلة على تزوير الانتخابات وتكتيكات التلاعب التي استخدمها النظام الإيراني بحسب أوجباي "حشو بطاقات الاقتراع، وسرقة الهوية، والإكراه على الذهاب للتصويت، واستخدام الموارد الحكومية للتأثير على نتائج الانتخابات، وهي من بين العوامل التي أدت إلى تفاقم انعدام الثقة العامة".
بالإضافة إلى ذلك، "يفرض النظام رقابة مشددة على تدفق المعلومات، ويقيد الوصول إلى مصادر الأخبار المستقلة، ويخنق الأصوات المعارضة من أجل التلاعب بالمعلومات وإدامة الاحتيال".
"كانت إزالة شرط بطاقة الهوية المصورة للتصويت، وعدم ختم شهادات الميلاد عند التصويت، وقبول خمسة أنواع من بطاقات الهوية للتصويت وشراء الأصوات بعض طرق تزوير الانتخابات، كما أنه في العديد من المصانع الحكومية والسجون، تم الضغط على العمال والسجناء للتصويت"، بحسب أوجباي.
"تحول في السلطة"
لفتت صحيفة "فاينانشال تايمز"، إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة، أظهرت أيضا "تحولا" في السلطة داخل المعسكر المحافظ.
وذكرت الصحيفة، أن محمد باقر قاليباف، الذي تولى رئاسة البرلمان في الولاية المنتهية، في المركز الرابع فقط في قائمة تضم 30 مرشحا بطهران، مما يعقد فرصه في رئاسة المجلس التشريعي لفترة أخرى.
وفي ضربة أخرى للشخصيات المحافظة التقليدية، فشل صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية السابق والرئيس الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي يتولى صياغة السياسات الكلية للبلاد، في تأمين العدد الكافي من الأصوات لدخول مجلس خبراء القيادة.
وقال سعيد شريعتي، وهو ناشط إصلاحي، إن حقيقة أن 80 في المئة من الناس في طهران و60 في المئة من الناس في جميع أنحاء البلاد لم يصوتوا تحمل "رسالة سلمية" إلى السلطات، مفادها أن "الناس ليسوا أعداءكم، بل يعارضون (...) أسلوبكم في الحكم".
واعتبر عقبائي أنه "بينما يواجه النظام الإيراني تهديدات داخلية وخارجية، فإنه يستخدم العملية الانتخابية كأداة للحفاظ على قبضته على السلطة وضمان استمرار بقائها".
وأشار إلى أن "النظام يخشى من أن يؤدي أي انفتاح بسيط للمعارضة السياسية إلى تحد حركة أكبر"، معتبرا أن "تاريخ القمع الذي مارسه النظام وتجاربه في التعامل مع الاحتجاجات والانتفاضات في الماضي في تشكيل نهجه في التعامل مع الانتخابات كأداة للسيطرة على المجتمع".
في المقابل، يرى شاوردي أن "النظام متماسك داخليا حتى لو كانت نسبة المشاركة قليلة بعض الشيء".
وقال إن "عدم مشاركة فئة معينة لا يعني أنهم معارضون أو يريدون استبدال النظام بنظام سياسي آخر"، مضيفا أن الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد عامين قد تتغير فيها نسبة المشاركة.

https://www.alhurra.com/iran/2024/03...B8%D8%A7%D9%85