الرسام العراقي خضير الحميري نشر رسومه الكاريكاتيرية في الصحف والمجلات العراقية والعربية
أصبح رسام الكاريكاتير العراقي خضير الحميري واحدا من ألمع الرسامين؛ إذ تحفل الصحف والمجلات برسومه التي تعبر عن كثير من الآراء، وتميّز بلونه الخاص الذي يعتمد على الخطوط المتشابكة في إعطاء الملامح التي يريدها، لا سيما الساخرة منها.
الحميري يرى فن الكاريكاتير رسالة تعادل مقالة أو حتى دراسة، وهو يبتكر أنواعا من الرسم ويضع لها عناوين لا تخلو من السخرية كزوايا ثابتة؛ مثل: لو، وروتين التعقيدي، وشعيط ومعيط، ومسامير، وشاهدتُ، وقرصة، والسنارة، وبيهة إن، وكاري كاتير، وقريبا من السياسة، وهلاوين، والمنشار، وزاوية حادة، ومشهد وخمسة عيون، وواحد يرفع، وواحد يكبس.
والفنان العراقي من مواليد 1955 من مدينة الحلة (مركز محافظة بابل)، وبدأ في مجلة "ألف باء" عام 1979، متنقلا بين الصحف والمجلات العراقية والعربية، ليصل الى جريدة الصباح العراقية حتى الآن، وصدر له كتاب كاريكاتيري بعنوان "كاري كاتير"، وضم مجموعة من رسومه المنشورة في مجلة "ألف باء" عام 1988، وكتاب "رسوم مندسة" عام 2021، وشارك في كتب أخرى مع رسامين آخرين، كما شارك في معظم معارض الكاريكاتير المحلية في العراق منذ عام 1979، وشارك أيضا في عدد من معارض الكاريكاتير العالمية (بلغاريا، والمكسيك، وبلجيكا، واليابان، ومصر).
حصل الحميري على جوائز عديدة؛ منها الميدالية التقديرية من أولمبياد الكاريكاتير الذي أقامته جريدة "يوميوري" اليابانية عام 1986، وجائزة أفضل رسام كاريكاتير عراقي لعام 2000-2001 في استفتاء نقابة الصحفيين العراقيين، كما اختير أفضل رسام كاريكاتير عراقي لعام 1992، وشارك في لجان تحكيم عدد من المسابقات الكاريكاتيرية.
الجزيرة نت حاورت الفنان الحميري عن هذا الفن ورسالته، وعن بداياته وآفاق رسومه التي زادت على 20 ألفا.
- من خضير الحميري؟ وكيف يمكن أن تصفه؟
يمكن لي أن أختصر تعريفي بجملة واحدة: إن خضير الحميري فنان عراقي امتهن الفن المناسب في الزمن غير المناسب.
أما ما يميزني فأظن أن ذلك يعود إلى خطوطي وأفكاري التي دأبت على نحتها وتطويرها بأدواتي الخاصة من دون تكلف، وهي تختلف عن تجارب الآخرين من أبناء جيلي، كما أني بقيت مخلصا للمهنة التي اخترتها ولم أغادرها منذ أكثر من 4 عقود، رغم المطبات والمزالق التي مررت بها ومر بها البلد.
رسم كاريكاتيري للرسام العراقي خضير الحميري
- الكاريكاتير بدأ مصريا وكان العراق ثانيا.. كيف تطور هذا الفن الساخر؟
الكاريكاتير في منطقتنا بدأ مصريا فعلا، وأظن أن العراق والشام التحقا متأثّرين بمصر في ما بعد، وكانت السخرية في صحافة العراق هي السباقة، فقد صدرت أول صحيفة عراقية ساخرة في البصرة عام 1909 باسم "مرقعة الهندي"، وأعقبتها العديد من الصحف الساخرة، ثم بدأ الكاريكاتير العراقي مع تأسيس أول معمل لصناعة الزنكوغراف (1931) الذي تعتمده الصحف في طباعة الرسوم والصور.
وكانت هناك أسماء لرسامين عراقيين من طراز غازي البغدادي ومؤيد نعمة وعلي المندلاوي، وهم من النخبة العربية المميزة بالتأكيد، وكان الفنان غازي منتجا ومؤثرا ومعادلا للسمعة التي تمتع بها الفنان المصري رخا، وكلاهما اعتمد الفرشاة والخط الكلاسيكي في الرسم.
رسم كاريكاتيري ساخر للرسام العراقي خضير الحميري
- الكاريكاتير يحتاج إلى عناصر تبدأ بخفة الدم والمخيلة الواسعة، ولا تنتهي بالممارسة اليومية واكتشاف الواقع.. من أي السبل طرقت باب الكاريكاتير؟
بالنسبة لي، كانت عدتي الأولية هي الثقافة العامة والاطلاع على تجارب الآخرين الذين دلّوني على المفاتيح الأساسية لفن الكاريكاتير، وتعلمت من عملي الطويل في الصحافة كيف ألتقط الفكرة وأجسدها كاريكاتيريا.
وطرقت باب الكاريكاتير أول مرة متسلحا بالإعجاب فقط، ولم أفكر حينها في أني سأحترفه، وسيرافقني طول العمر. أما بمن تأثرت فكان أولهم الفنان حجازي، ثم الفنانون بهجوري وصلاح الليثي وصلاح جاهين، وكذلك الفنان ناجي العلي.
ومن العراقيين كانت تجربة الفنان رائد نوري مؤثرة وملهمة، وكذلك مؤيد نعمة وبسام فرج وعبد الرحيم ياسر.
رسم كاريكاتيري للرسام العراقي خضير الحميري
- أي الأفكار تجد صعوبة في رسمها؟ خاصة إذا عرفنا أن رسم الكاريكاتير يعادل خطبة سياسي أو قصيدة شاعر في زمن مضى. وهل ترى أنه لا يزال قادرا على التأثير وإحداث التغيير؟
الأفكار في حد ذاتها لا توجد فيها صعوبة، الصعوبة تكمن في المحاذير التي يحاول الرسام تجاوزها، والشخصيات التي تحيط نفسها أو يحيطها الآخرون بسور من الممنوعات، إنها الخطوط الحمر التي تتبرعم وتتكاثر في محيطنا يوما بعد آخر؛ هنا تكمن الصعوبة.
وهو فن مؤثر ولم يزل مؤثّرا وقادرا على التأثير، وليس التغيير، لأن موجبات التغيير كثيرة وموانعه أكثر؛ ففن الكاريكاتير والمقالة الساخرة مؤثران حاليا في الجمهور العراقي، وقادران على توجيه الرأي العام، خاصة أن تطورات الوضع المحلي أقرب ما تكون إلى السخرية المرة، وفي السنوات الأخيرة لاحظت أن الرسم الكاريكاتيري يتم تناقله بين المتابعين بوصفه منشورا مؤثرا.
رسم كاريكاتيري ساخر للرسام العراقي خضير الحميري
- تعتمد في كثير من رسوماتك على الحوار المرافق للرسم، هل ذلك رسالة أم تميز أم هو ضعف لعدم القدرة على توليد الفكرة الكاملة من خلال الرسم فقط؟ وما مدى تأثير التقنيات على هذا النوع من الفن؟
لقد رسمت الكاريكاتير مرفقا بتعليق تهكمي إلى جانب الكاريكاتير الصامت، وتتحكّم غالبا الفكرة في شكل الرسم.
فإذا وجدت الرسم مكتفيا للتعبير بالخطوط فقط أكتفي بها، وإذا كان التعليق المشذّب سيجعل الرسم أبعد وأعمق أعتمد التعليق، وحين عملت في الصحافة الأردنية 10 سنوات كنت مضطرا -في الأغلب- إلى الرسم الخالي من التعليق، لأنني لم أكن أجيد لهجة أهل البلد.
رسم كاريكاتيري للرسام العراقي خضير الحميري
أما عن التقنيات والخوف من أن تكون بديلا عن الرسم وانتزاعا لروح هذا الفن الذي يعتمد على الخطوط المنتجة للرسم؛ فأقول إن التقنيات الحديثة هي الأخرى تعتمد على الموهبة، وأضافت الكثير من الإمكانات التعبيرية لرسام الكاريكاتير، ولا أظنها تؤثّر على روح الرسم الكاريكاتيري، باستثناء بعض الرسوم البدائية التي تنفذ اعتمادا على برامج مسبقة.
أما الرسوم التي تزاوج بين التقنيات الحديثة والخطوط التقليدية كما هي الحال معي حتى الآن، أو الرسوم التي تعتمد كليا على الرسم بالقلم الإلكتروني؛ فهي رسوم كاريكاتيرية مثمرة ومؤثرة.
- لا تكاد تخلو صحيفة أو موقع من رسم كاريكاتيري بشكل يومي. هل ترى في الأفق أن هذا الفن سيحافظ على مكانته الحالية أم أنه سيتحول إلى الذاكرة؟
للأسف الصحافة الورقية القليلة المتبقية بدأت تتخلّى عن هذا التقليد العريق باستضافة رسام كاريكاتير أو أكثر على صفحاتها، ولكن أفق المواقع والصفحات الإلكترونية الواسع مفتوح لاستضافة العدد الهائل من الرسامين المبدعين والمجددين.
رسم كاريكاتيري ساخر للرسام العراقي خضير الحميري
كون الكاريكاتير حاضرا في جوهر الكثير من الفنون؛ مثل النحت والتشكيل والخزف وحتى العمارة أحيانا، فإني أراه يتجدّد ويتماشى مع العصر دائما؛ فنمط الكاريكاتير التأملي الذي يعتمد المفارقة البصرية لا يقل شأنا عن متحفية اللوحة التشكيلية، وأرى أن الكاريكاتير قادر على تجديد وسائطه ووسائله مع الزمن.
الكاريكاتير في العراق لا يختلف في معاناته وبشائره عما هو حاصل في بقية الدول العربية، سوى أن بعضها تنعم بأجواء أفضل أو أسوأ من حرية التعبير
لهذا يمكن القول إن الرسم في العراق على مستوى الصحافة الورقية في انكماش للأسف، وأغلب الرسامين المعروفين اتجهوا لرسم "الكومكس" أو اللوحة التشكيلية، ولكن الجيل الشاب من الرسامين أسسوا لأنفسهم موقع قدم راسخا في الصحافة الإلكترونية، وبدؤوا يعلنون عن مرحلة جديدة من التعافي.
والكاريكاتير في العراق لا يختلف في معاناته وبشائره عما هو حاصل في بقية الدول العربية، سوى أن بعضها تنعم بأجواء من حرية التعبير أفضل أو أسوأ.
رسم كاريكاتيري يصور محنة النازحين للرسام العراقي خضير الحميري
- الرسم الكاريكاتيري يعادل مقالة أو تقريرا صحفيا؛ لذا فالرسام بحاجة لحرية كبيرة.. فهل تشعر بالقلق أو الخوف أم أن حالة التمرد موجودة أصلا في تفكير الرسام؟
ميزة فن الكاريكاتير عن المقالة وما عداها تكمن في كونه يقرأ بصريا، وهي قراءة توصيل سريعة ومؤثرة، في زمن ميزته السرعة والإيجاز، وفضاؤه الحرية، ومن دونها يجد نفسه يزحف على أرض وعرة.
الرسام العراقي خضير الحميري ينتقد أحوال بلاده السياسية برسومه الكاريكاتيرية
والكاريكاتير العراقي نشط بشكل جماعي بعد عام 2008، وأقيمت العديد من المعارض والندوات الطامحة، واستمرت هذه الهبة حتى عام 2014 تقريبا، ثم تفرق الجمع الكاريكاتيري العراقي لأسباب شتى؛ أولها الإحباط، وبقيت التجارب الفردية حسب قدراتها في المعالجة والتوصيل.
بالتأكيد هنالك فرق شاسع بين ما قبل 2003 وما بعدها، من حيث الجرأة والمواضيع والمعالجات، ولذا فأنا أشعر بالقلق والخوف، وأتراجع عن نشر بعض الرسوم بعد تنفيذها خوفا من العواقب.
وأعتمد التعميم والتلميح بدل التخصيص والتشخيص في أغلب رسومي تحاشيا للمحذور، والوضع المتقلب في العراق يحول رسام الكاريكاتير إلى "كماشة نار".