إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون لإنتاج الإيثلين يساهم في جهود التخفيف من تغير المناخ (رويترز)
تخيل أن لديك مطرقة تريد أن تجعلها أكثر فعالية في مهمة دق المسامير بالخشب، فيمكنك في هذه الحالة إضافة تعديلات عليها حتى تعمل بشكل أفضل، وهذا يشبه ما فعله باحثون من جامعة سينسيناتي الأميركية، إذ نجحوا في تطوير مادة محفزة من النحاس لجعلها أكثر كفاءة في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الإيثيلين الذي يوصف بأنه "أهم مادة كيميائية في العالم".
ويتجه الباحثون عالميا الآن إلى تحويل ثاني أكسيد الكربون من ملوث بيئي إلى منتجات صناعية مفيدة. وبينما عملت فرق بحثية سابقة على إنتاج الإيثلين من ثاني أكسيد الكربون باستخدام محفز النحاس، فإن هذه العملية شابها بعض السلبيات التي نجح الباحثون خلال الدراسة الجديدة المنشورة في دورية "نيتشر كيميكال إنجنيرنغ" في التغلب عليها، عبر تطوير محفز النحاس لجعله أكثر كفاءة في العمل.
ويشرح أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة أسيوط (جنوب مصر) خالد الحلواني في حديث خاصة لـ"الجزيرة نت" ما فعله الباحثون قائلا: " فكّر في محفز النحاس باعتباره الأداة الأساسية، مثل المطرقة، فالجميع يستخدمها لدق المسامير في الخشب، ولكنك نجحت في إجراء تعديلات في مطرقتك الشخصية عبر ربط مغناطيس برأسها لجذب المسامير وتثبيتها في مكانها، مما يسهل طرقها، وهذا جعلها أكثر كفاءة في أداء المهمة، وبالمثل هذا ما فعله الباحثون".
ويوضح أنه "بنفس الطريقة التي استخدمتها لترقية أداء مطرقتك الشخصية، أضاف الباحثون كميات صغيرة من منشطات معدنية نبيلة -مثل الروديوم- إلى سطح محفز النحاس، حيث تعمل هذه المنشطات مثل المغناطيس، مما يجعل المحفز أكثر فعالية في أداء المهمة المحددة المتمثلة في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى إيثيلين".
زينغيوان لي المعد الرئيسي لمشروع بحثي لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى إيثيلين (جامعة سينسيناتي)
وتساعد المنشطات المعدنية النبيلة على توجيه التفاعلات الكيميائية في الاتجاه الصحيح، مما يؤدي إلى زيادة إنتاج الإيثيلين مقارنة بالمنتجات الثانوية الأخرى مثل الإيثانول.
وكما يمكنك ضبط موضع وقوة المغناطيس على مطرقتك لتحسين أدائها، فإن الباحثين يمكنهم التحكم بعناية في كمية وتوزيع تلك المنشطات على المحفز النحاسي، ويضمن هذا الضبط الدقيق تحقيق المحفز أعلى كفاءة ممكنة في إنتاج الإيثيلين، مع تقليل تكوين المنتجات الأخرى غير المرغوب فيها، وفقا للحلواني.
4 خصائص للمنشطات المعدنية
وتحقق المنشطات المعدنية المضافة لسطح محفز النحاس هذه الوظيفة عبر أربع خصائص، يشير إليها الحلواني على النحو التالي:
- أولا: إضافة المنشطات المعدنية يعدل من خصائص سطح المحفز النحاسي، بما يؤثرعلى عوامل مثل قوة الارتباط للأنواع الوسيطة المشاركة في التفاعل، وتوزيع المواقع النشطة على سطح المحفز، والتفاعل الكلي للمحفز.
- ثانيا: تُظهر المنشطات المعدنية المعتمدة على المعادن النبيلة؛ خصائص تحفيزية فريدة بسبب تركيبة كيمياء سطحها، ومن خلال دمج كميات صغيرة منها في المحفز النحاسي يمكن تعزيز النشاط التحفيزي للمحفز.
- ثالثا: يمكن للمنشطات المعدنية النبيلة المضافة لسطح المحفز النحاسي، تعزيز تفاعلات معينة عن غيرها بشكل انتقائي، وفي حالة التحويل الكهروكيميائي لثاني أكسيد الكربون إلى إيثيلين، فإن وجودها يساعد في توجيه التفاعل نحو إنتاج الإيثيلين مع قمع التفاعلات الجانبية المتنافسة التي قد تؤدي إلى تكوين منتجات ثانوية أخرى مثل الإيثانول.
- رابعا: تسمح إضافة المنشطات المعدنية النبيلة بضبط مسارات التفاعل المشاركة في العملية التحفيزية، ويمكن أن يؤدي هذا الضبط الدقيق إلى تحسين انتقائية وكفاءة واستقرار المحفز، مما يؤدي إلى تحسين الأداء العام في إنتاج الإيثيلين.
في الطرق التقليدية يجري إنتاج الإيثيلين عادة من خلال التحلل الحراري للهيدروكربونات مثل الإيثان أو النافتا (شترستوك)
إنتاج صديق للبيئة
وفي الطرق التقليدية، مثل "التكسير بالبخار"، يجري إنتاج الإيثيلين عادة من خلال التحلل الحراري للهيدروكربونات مثل الإيثان أو النافتا.
وتتضمن هذه العملية تعريض الهيدروكربونات لدرجات حرارة عالية في وجود البخار، مما يؤدي إلى تكوين الإيثيلين ومنتجات ثانوية أخرى.
ولكن الطريقة التي وصفها الباحثون في دراستهم تعتمد على "الاختزال الكهروكيميائي"، حيث يتعرض ثاني أكسيد الكربون في الخلية الكهروكيميائية للاختزال، وهذا يعني أنه بمساعدة الكهرباء يجري تقسيم جزيئات ثاني أكسيد الكربون إلى مركبات أبسط، بما في ذلك الإيثيلين.
وتحتوي الخلية الكهروكيميائية على قطبين كهربائيين مغمورين في محلول "إلكتروليت" يحتوي على ثاني أكسيد الكربون المذاب، وعندما يُمرر تيار كهربائي عبر الخلية فإن جزيئات ثاني أكسيد الكربون الموجودة عند الكاثود (القطب السالب) تخضع للاختزال، مما يؤدي إلى تكوين الإيثيلين ومنتجات أخرى.
ويساعد وجود محفز النحاس المعدل بالمنشطات المعدنية بـ"الكاثود"، على تحسين كفاءة عملية التحويل وتعزيز نشاطها وانتقائيتها تجاه إنتاج الإيثيلين.
4 مزايا بيئية واقتصادية
ومقارنة بالطريقة التقليدية، يحمل هذا الإنجاز أربع مزايا بيئية واقتصادية، يعددها أستاذ الهندسة الكيميائية والباحث الرئيسي بالدراسة جينجي وو، في بيان صحفي نشره الموقع الإلكتروني لجامعة سينسيناتي، وهي:
- إنتاج الطاقة الخضراء: فهذه العملية توفر إمكانية إنتاج الإيثيلين باستخدام مصادر الطاقة الخضراء بدلا من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويتوافق هذا الجانب مع الهدف الأوسع المتمثل في الحد من انبعاثات الكربون والانتقال نحو ممارسات طاقة أكثر استدامة.
- عزل الكربون: من خلال استخدام ثاني أكسيد الكربون كمادة أولية لإنتاج الإيثيلين، تساعد العملية في إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وبالتالي المساهمة في جهود عزل الكربون والتخفيف من تغير المناخ.
- الكفاءة والانتقائية: يعمل محفز النحاس المعدل على تحسين كفاءة وانتقائية عملية التحويل الكهروكيميائية بشكل كبير، مما يؤدي إلى زيادة إنتاج الإيثيلين مقارنة بالطرق التقليدية، وتعد هذه الانتقائية المعززة أمرا بالغ الأهمية لتحسين العمليات الصناعية وتقليل النفايات.
- إزالة الكربون من الإنتاج الكيميائي: يمثل تطوير هذه التكنولوجيا خطوة مهمة نحو إزالة الكربون من الصناعة الكيميائية، فمن خلال استخدام الكهرباء من مصار الطاقة المتجددة والمواد الخام المستدامة مثل ثاني أكسيد الكربون، يمكن جعل إنتاج المواد الكيميائية أكثر مراعاة للبيئة وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
الدكتور جينجي وو نجح في تطوير تفاعل كهروكيميائي لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مادة الإيثيلين (جامعة سينسيناتي)
تطبيقات صناعية متعددة
وبينما عملت فرق بحثية حول العالم على إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون في منتجات قيمة، مثل "ثنائي ميثيل إيثر" أو "كربونات الجلسرين"، فإن الباحثين بدوا في الدراسة الجديدة أكثر حماسا لإنتاج "الإيثلين" الذي وصفوه في البيان الصحفي بأنه "أهم مادة كيميائية في العالم"، وقالوا إن الصناعة الكيميائية أنتجت منه 225 مليون طن متري ( الطن المتري يساوي 1000 كلغم) عام 2022.
ويدخل "الإيثلين" في مجموعة واسعة من التطبيقات الصناعية، وتشمل:
- الإيثيلين حجر الأساس لإنتاج البولي إيثيلين، وهو أحد أكثر أنواع البلاستيك استخداماعلى مستوى العالم، ويستخدم في تطبيقات مختلفة مثل التعبئة والتغليف (الأكياس البلاستيكية والزجاجات والحاويات) والأنابيب وقطع غيار السيارات.
- يعمل كمادة كيميائية وسيطة في تركيب العديد من المواد الكيميائية والمنتجات الأخرى، ويُستخدم لإنتاج أكسيد الإيثيلين الذي يُعالج بشكل إضافي لصنع جلايكول الإيثيلين، وهو مكون رئيسي في إنتاج ألياف البوليستر ومضادات التجمد.
- يستخدم في إنتاج مركبات الفينيل، بما في ذلك كلوريد البولي فينيل الذي يستخدم على نطاق واسع في مواد البناء مثل الأنابيب وإطارات النوافذ والأرضيات والجوانب، وكذلك في الأجهزة الطبية وقطع غيار السيارات والسلع الاستهلاكية.
- يعتبر مقدمة لـ "الستيرين" الذي يستخدم في إنتاج البوليسترين، وهو بلاستيك متعدد الاستخدامات يستخدم في التعبئة والتغليف والعزل وأدوات المائدة التي تستخدم لمرة واحدة ومنتجات الرغوة.
- يعد مادة خام رئيسية في إنتاج المطاط الصناعي، بما في ذلك مطاط "الإيثيلين بروبيلي" و"مونومر الإيثيلين بروبيلين ديين"، والتي تستخدم في إطارات السيارات والخراطيم وغيرها من التطبيقات.
- يستخدم في الزراعة كعامل إنضاج للفواكه والخضراوات، فهو يساعد على تسريع عملية النضج وتحسين تلوين الفاكهة وتنظيم الإزهار في بعض النباتات.
- يستخدم وقودا في بعض العمليات الصناعية، مثل اللحام والقطع بالوقود الأكسجيني، حيث يُحرق لإنتاج الطاقة الحرارية.
مزيد من العمل لحصد الفوائد
ويحتاج حصد هذه الفوائد الاقتصادية والبيئية لإنتاج الإيثيلين من ثاني أكسيد الكربون، إلى عمل إضافي يجب أن يؤديه الباحثون للانتقال بفكرتهم من المعمل إلى التطبيق التجاري.
وكان الباحثون حريصون في البيان الصحفي على توضيح النقاط التي يجب العمل عليها في دراسات لاحقة لتحقيق هذا الغرض، وهي:
- استقرار عملية التحويل: فنظام التحويل يفقد كفاءته بمرور الوقت بسبب تكوين منتجات ثانوية على محفز النحاس مثل هيدروكسيد البوتاسيوم، وقال الباحثون إنهم بحاجة إلى استكشاف طرق لتحسين استقرار أداء المحفز للحفاظ على الكفاءة على مدى فترات طويلة من التشغيل.
- الجدوى التجارية: في حين أظهرت الدراسة نتائج واعدة في المختبر، يعترف الباحثون بالحاجة إلى تحسين العملية لجعلها أكثر جدوى من الناحية التجارية، وقد يتضمن ذلك تحسين الجوانب المختلفة لنظام التحويل الكهروكيميائي، بما في ذلك فعالية التكلفة وقابلية التوسع وكفاءة الطاقة.
- التشغيل الممتد: فقد قال الباحثون إن لديهم هدفا يتمثل في تمديد تشغيل نظام التحويل من ألف إلى مئة ألف ساعة، وسيتطلب تحقيق هذا الهدف معالجة التحديات المتعلقة بتدهور أداء المحفز، واستقرار التفاعل بشكل عام.