*عقيدتنا في المهدي المنظر (عليه السلام)*
✒️ محمد باقر الصدر
"ليس المهديّ تجسيداً لعقيدةٍ إسلاميةٍ ذات طابعٍ دينيّ فحسب، بل هو عنوان لطموحٍ اتّجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطريّ أدرك الناس من خلاله - على الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب - أنّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تُحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناءٍ طويل.
بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ إلى غيرهم أيضاً، وانعكس حتى على أشدّ الإيديولوجيات والاتّجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسّرت التأريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيومٍ موعود تُصفّى فيه كلّ تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام.
وهكذا نجد أنّ التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية على مرّ الزمن من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان.
وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكّد أنّ الأرض في نهاية المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلاً بعد أن مُلِئت ظلماً وجوراً يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوِّله إلى إيمانٍ حاسمٍ بمستقبل المسيرة الإنسانية.
وهذا الإيمان ليس مجرّد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاءٍ وقوة. فهو مصدر عطاء؛ لأنّ الإيمان بالمهديِّ إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلّها، وهو مصدر قوةٍ ودفع لا تنضب؛ لأنّه بصيص نورٍ يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم؛ لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور، فيزعزع ما فيه من أركان الظلم ويقيم بناءه من جديد.
وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدّراته فهو حالة غير طبيعية ولا بدّ أن ينهزم، وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمّة مجده تضع الأمل كبيراً أمام كلِّ فردٍ مظلوم وكلّ اُمةٍ مظلومةٍ في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء".