قصتي مع سورة يس..في أواخر العام1987م و أنا بالمملكة العربية السعودية شعرت بصداع متقطع وزغللة في النظر فظننت أنذلك ربما كان بسبب الجيوب الانفية التي أعاني منها من وقت لآخر فذهبت لاختصاصي فيالأنف والأذن والحنجرة بمستشفى جدة الوطني وكان طبيبا سودانياً يدعى جعفر- آسفلعدم استحضاري لإسمه كاملاً- وكان من أشهر الأطباء في تخصصه وعلى خلق رفيع..قابلني بحفاوة أخجلتني. أجرى كل الفحوصات اللازمة وأطلعني على نتيجة فحوصاته بأنما أشكو منه ليس له علاقة بالجيوب الأنفية وأشار إلى أن صورة الأشعة السينية توضحانتفاخاً بالونياً في منطقة بالقرب من عظمة الصدغ تسمى السرج التركي SELLA TURSICA وهولا يريد أن يستبق التشخيص ونصحني أن أذهب لمستشفى المغربي لفحص قاع العينين وقياسالضغط داخلهما. وكانت النتيجة ما أعاني منه ليس له علاقة بأي مرض في العينين و أنالخلل يقع خلفهما. ومعنى ذلك أن الأمر يتعلق بالعصب البصري وعلي أن اخضع لفحصبالأشعة المقطعية. وجاءت نتيجة الفحص أن الانتفاخ في منطقة السرج التركي هو مؤشرلورم في الغدة النخامية PITUITARY ADENOMA (وأنا اكتب هنا بعض المصطلحات باللغة الانجليزية لفائدة طلابنا في كليات الطب حتى إذا أرادوا أن يقرأوا عنها سيجدونها فيمراجعهم أو في الانترنت). ولأنها تقع تحت سقف الدماغ فإن أي ورم فيها يجعل الغدةتلامس التصالب البصري OPTIC CHIASMA وهي المنطقة التي يتقاطع فيها العصبانالبصريان ويمران فوق الغدة النخامية (مثل أسلاك الكهرباء وأنت لا تريد أن تلامسفروع شجرتكم تلك الأسلاك) و أي تلامس يؤدي إلى تلك الزغللة في النظر (سلامةالنظر).والحل هو أن اذهب للدكتور السودانيالذائع الصيت اختصاصي جراحة المخ والأعصاب الدكتور محسن حسين وهو يعمل بمستشفىالهدا العسكري بالطائف. اطلع الدكتور محسن على صور الأشعة المقطعية واخبرني أن حجمالورم كبير ولهذا لابد من تدخل جراحي ولكن يجب أن أحصل أولاً على اذن من صاحبالسمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز (النائب الثاني ووزير الدفاع والطيران فيذلك الوقت). فكتب له الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى بمشكلتي فجاء الأمرالكريم من سموه وبدأت رحلة العلاج. وكانت رحلة مثيرة للغاية ولهذا رأيت أن أشركالقراء معي فيها.شرح لي الدكتور محسن حسين كل مايتعلق بحالتي وقال لي نحن الآن متأكدون أن هناك ورماً في الغدة النخامية ولكن هناكبعض الحالات التي يجب أن نستبعدها.أولاً: فيحدثأحياناً أن تصبح الأوعية الشريانية (رهيفة) ويحدث انتفاخ فيه يعرف بالأنيورزم (ANEURYSM) وهذه تسببصداعاً وزغللة في النظر تجعلك ترى الشئ شيئين (DOUBLE VISION). وهناك حالة اخرى من الأورام التي تكون في هذه المنطقةتسمى (CRANIOPHARYNGIOMA)وهي تحدث اعراضاً مماثلة. وعليه يجب أن نجري فحصاً بواسطة قسطرة نضخ من خلالهامادة ملونة في الأوعية الدماغية ومن ثم نصور منطقة المخ والأوعية المنتشرة فيمنطقة الغدة النخامية. هذا الفحص يقوم به الدكتور عرفان.الدكتور عرفانسوري الأصل يحمل الجنسية الأمريكية جاء بأسرته للمملكة العربية السعودية كما قاللي لكي يكون قريباً من الحرمين الشريفين ولكي ينشئ اطفاله في بيئة مسلمة. وكنتأراقبه قبل أن يقوم بعمليته وهو يتلو آيات من القرآن الكريم وبعض الأدعية النبويةفيزيل عنك أي توتر ويسبغ عليك راحة وطمأنينة كنت في أشد الحاجة لها.وكانت النتيجة أن كل ما هنالك ذلك الورم الذي يتطلب تدخلاًجراحياً. وشرح لي الدكتور محسن أن العملية تتم من داخل فتحة فوق اللثة أو من خلالفتحة داخل الأنف. ولأن الورم كبير فيجب أن تتبع العملية جلسات علاج إشعاعي لقتلالخلايا التي ربما يساورها الحنين فتتكاثر مرة اخرى. وحدد لي موعداً للعملية فيإجازة ربيع عام 1989م وهذا هو الموعد الذي يتوجب فيه رجوعي للسودان حتى لا تطبقعلي قوانين الفصل من الجامعة وحتى لا افقد حقي في المعاش.في عام 1981م استأجرت لي الجامعةمنزلاً في حي الصافية. يفتح على منزل الأخ الصديق الشاعر عبد العزيز جبورة والأخالصديق مولانا أحمد جادين الزمزمي (رحمه الله) الذي كان يعمل قاضياً في الهيئةالقضائية. مولانا الزمزمي كما يحلو لنا أن نناديه كان رجلاً سمحاً، كريماً،عطوفاً، تقياً.. مجلسه لا يمل، نسمة من نسمات حميمة تغرقك وتنشر في خلاياك طمأنينةلا نهائية. حكى لي مرة أنه في السبعينيات كان يشكو من ألم في صدره وسعال مستمروتردد على عدد من الأطباء وتناول كل العقاقير والوصفات الشعبية ولكن دون فائدة.وأخيراً قرر أن يأخذ زوجته ويذهب لمصر للعلاج. الطبيب المصري الذي أجرى عليه الكشفوبعد أن درس جيداً كل صور الأشعة قال مبدياً أسفه:- أنا أرى إنك رجل مؤمن... وكل مايصيبنا هو ما يقدره الله لنا والمؤمن يجب أن لا يجزع. على أي حال نتيجة الكشف لاتبشر بخير فقد وجدت أنك مصاب بسرطان في الرئة اليسرى وزحف على الرئة اليمنى وليسذلك فحسب بل انتقل إلى اجزاء أخرى وهذه حالة لا تصلح فيها جراحة ولا أي علاج لأنهمن تجاربنا فإن صاحب هذه الحالة لا يعيش أكثر من ستة أشهر. ولهذا فسأكتب لك بعضالمسكنات وبعض مخففات الألم وكان الله في عونك.قاللي مولانا الزمزمي:* شكرت الطبيبوأخذت نتيجة الفحوصات وأخبرت زوجتي بكل شئ وقلت لها أن الله رحيم بنا. لقد علمتالآن أن ما تبقى من عمري ستة أشهر وهذه فترة كافية أن أرتب فيها أموري وأن أتهيأللقاء ربي وكان من الممكن أن أموت دون أن أعرف هذه الحقيقة ولكن من كرم المولىولطفه بنا أن هيأ لي من يعرفني بذلك. ولا اعتراض لي على حكمه. وتقبلت زوجتي ماقلته لها بصبر المؤمنة الحقة فلم تجزع ولم تضطرب فأسلمنا أمرنا لله.ذات ليلة خطر على بالي أنني طالما سلمت أمري لله لماذا لااستغل قيامي في الثلث الأخير من الليل وأقرأ سورة (يس) سبع مرات لسبع ليال متصلةوأسأل الله أن يشفيني وأنا موقن برحمة ربي. وجعلت أتلو سورة (يس) في الثلث الأخيرمن الليل سبع مرات بعد أن أصلي ركعتين ولزمت ذلك وواظبت عليه.وشعرت بتحسن في صحتي وانفتحت شهيتي للأكل وقلت نوبات السعالالتي كانت تنتابني.. ونقلت إلى مدينة الأبيض فنفذت قرار النقل وتبقى لي من الموعدالذي حدده لي الدكتور شهران. وجاءت ستة أشهر ومرت وجاءت ستة أشهر أخرى ومرت. ولمأكن أشعر بأي أعراض وأخذت زوجتي وذهبت لمصر لمقابلة الدكتور الذي كشف علي من قبل.وعندما اطلع على ملفي عنده صاح بأعلى صوته:* مش معقول.. هوانت؟! دا مش معقول.. ياسبحان الله انت عملت إيه؟ قل لي انت عملت إيه؟فأخبرته إنني كنتاسأل الله أن يشفيني.فأخذني الدكتورإلى غرفة الاشعة وعمل لي صورة أشعة وقارن الصورتين السابقة وهذه ولم يجد أثراً لأيسرطان أو مرض بالرئة. وظل الدكتور يزورني في غرفتي في الفندق إلى أن غادرت إلىالسودان.مولانا الزمزمياختاره الله إلى جواره قبل ثلاثة أعوام بمرض غير الذي حدده الطبيب المصري ليلةالعيد وصلى عليه المصلون في ساحة صلاة العيد أمام مسجد الحاجة النية بالصافية.رحمه الله فقد كان مؤمناً ذا خلق رفيع أكرمه ربه واختاره إلى جواره في يوم سعيدمبارك.تذكرت قصة مولانا الزمزمي وأنا اواجهعملية جراحية لا أدري ما الذي سيحدث لي فيها. ففعلت مثلما فعل مولانا الزمزمي كنتأصحو في الثلث الأخير من الليل وأصلي ركعتين وأقرأ سورة (يس) سبع مرات لسبع ليالوكنت أدعو الله قائلاً: اللهم اجعل لي من العلاج أيسره.حلت إجازة الربيع.. وتحدد يوم العملية وأخذت أشيائي وذهبتلمستشفى الهدا وتمت اجراءات دخولي وفي يوم العملية وبعد أن ألبسوني ملابس العمليةوفي داخل حجرة العملية رن جرس التلفون وتناوله الدكتور محسن وكان المتحدث منالناحية الأخرى طبيب في قسم الأمراض نقل للدكتور محسن أن طبيب علم الأمراض ال PATHOLOGIST الذي كان منضمن أفراد فريق الدكتور محسن جاءته مهمة طارئة وسافر إلى كندا ذلك الصباح وسيعودبعد شهر وعليه لا يمكن اجراء العملية بدونه ويجب أن تتأجل العملية.ارتديت ملابسي وجلست مع الدكتور محسن في مكتبه. وبالصدفةأطل علينا طبيب أجنبي. وجلس بعد أن حيانا وقدمني له الدكتور محسن وأخذنا نتحدثسوياً فسأل الدكتور محسن عن حالتي فقدم له ملفي. كان ذلك الدكتور هو دكتور قوسلينسويسري المولد ويحمل الجنسية الكندية وإختصاصي في أمراض الغدد الصماء. قرأ في ملفيجيداً ثم سأل الدكتور محسن عن موعد العملية فأجابه بأنها ستكون بعد شهر انشاءالله. فقال للدكتور محسن:* هل ممكن تحولهلي في عيادة الغدد الصماء؟ سأجري عليه بعض الفحوصات في هذه المدة وسأجرب عليه بعضالأدوية إن دعت الحالة.وافق الدكتورمحسن على الفور وتحولت إلى عيادة الدكتور قوسلين الذي نشأت فيما بعد بينه وبينيصداقة حميمة.قمت بكل الفحوصات التي طلبها دكتورقوسلين. وقرر لي دواءً في شكل أقراص أستعملها مرتين في اليوم ونبه على أن تلكالأقراص ذات أعراض جانبية صعبة فقد تسبب لي غثياناً ومشاكل في المعدة وعلي أنآخذها مع بعض الطعام وإن دعت الحال أن آخذ قبلها قرصاً ضد الغثيان. ولقد كانت تلكالأقراص صعبة في البداية لكني واظبت عليها ولم اتركها وبعد اسبوع وهو الموعد الذيحدده لي دكتور قوسلين رجعت له وفي الطريق فجأة شعرت كأن غشاوة قد زالت عن عينيوشعرت بنور قوي يصدم عيني فارتجفت وأوقفت سيارتي خارج الطريق الجبلي الصاعد إلىقمة جبل الهدا حيث المستشفى العسكري وحيث عيادة دكتور قوسلين. أخبرت الدكتورقوسلين. لم يصدق. أخذني لطبيب عيون من أصل هندي ليرسم لي حقلاَ للرؤية (FIELD OF VISION)لأني كنت أعاني من ضمن أعراض ورم الغدة من زغللة في النظر HEMIANOPIA وجاءت نتيجةالفحص تؤكد اتساع حقل الرؤية وعودته إلى حالته الطبيعية.وأسرع دكتور قوسلين ليخبر الدكتور محسن بالتطور الذي حدثوإنني قد استجبت للعلاج إذ أن ذلك الورم الذي كان في الغدة النخامية عبارة عنإفراز الغدة لمادة البرولاكتين وإن التشخيص الذي توصل إليه هو برولاكتينوما عملاقةMACROPROLACTIONOMAويمكن تأجيل الجراحة لأطول فترة حتى يقل حجم الورم. وانشرح صدر الدكتور محسن وقاللي سنجعل الجراحة (آخر الكي).وضعني الدكتور قوسلينفي روتين علاجي بدواء البارلوديل وهذا هو الإسم التجاري لمادة البروموكربتين BROMOCRIPTINE.وظللت أتعاطى ذلك العلاج خمس حبات كل يوم قبل النوم. واسترجعت من ذاكرتي أننيعندما كنت أدعو كنت أسأل الله (أن يجعل لي من العلاج أيسره) فهل هناك أيسر منهذا؟!وكنت أتتبع هذاالعلاج في الانترنت من وقت لآخر حتى أعرف إن كانوا انتجوا علاجاً آخر. وقد كان.فقبل عامين وجدت أن عقاراً جديداً قد حل مكان البروموكربتين ولا توجد له أعراضجانبية. والأهم من ذلك كله أن حبة واحدة منه تكفي لمدة اسبوع بحاله. فهل هناك أيسرمن هذا العلاج. يا سبحان الله. والدواء الجديد اسمه دوستينكس (DOSTINEX) واسمهالعلمي (CABERGOLIN) وأي شخص يمكنأن يدخل الإنترنت ويكتب أي من الكلمتين سيتحصل على كل المعلومات التي يطلبها بخصوصهذا الدواء. ولأنه لا يوجد في السودان فقد تطوع بعض الإخوة بإرساله لي من وقت لآخرمن الخارج.تصور حبة واحدةفي الاسبوع. ياللسعادة.الشاب عبد الرحمنيوسف كان يعمل في مؤسسة الراجحي للصرافة بجدة. أصيب بسرطان خطير في تجويف الأنفوانتشر في بقية أجزاء جسمه. وجاءني الأخ عادل الجعلي (زوج ابنتي الآن) وكان يعملمع عبد الرحمن في نفس المؤسسة في جدة وطلب من زوجتي أن تجهز ملاح مفروكة لأنهمقرروا أن يتناولوا طعام الغداء مع عبد الرحمن ليرفعوا من روحه المعنوية. وقد كانتحالة عبد الرحمن ميئوس منها. اجتمعنا سوياً وكان عبد الرحمن يعاني من المرض فيأطواره الأخيرة ولا يستطيع أن يأكل شيئاً إلا وتنتابه حالة من الغثيان يصعبإيقافها. وفي لحظة من اللحظات قصصت عليه قصة مولانا الزمزمي وقصتي وقلت له أن كلشئ بيد الله وإن على المرء أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة فإن شفي كان ذلك بقدرةالله وإن اختاره الله إلى جواره إدخر له ذلك في آخرته وفي كل خير.وآخر مرة تحدثتفيها مع الأخ عادل أخبرني أن عبد الرحمن قد شفي تماماً ونقل كفالته إلى مكتب عقاروقد استقدم عائلته وهو يقريك السلام.هذه ثلاث حالاتأنا بطل إحداها وشاهد على إثنتين منها. فسبحانه مدبر الأمور والقادر على كل شئ وهوفعال لما يريد. ولا جدال فيما ورد أن (يس) قلب القرآن وأنها لما قرئت له. واللهخالق الأكوان وفاطر الحب والنوى يخبرنا:(وننزل من القرآنما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)(ويشف صدور قوم مؤمنين)(وشفاء لما في الصدور)(قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء)(فيه شفاء للناس)وإذا كانت سورة(يس) هي قلب القرآن. تأمل قول الله سبحانه وتعالى في تلك السورة:(كل في فلك)أ. د. محمدعبدالله الريحواجر لسانك عليها من اليمين إلى الشمالومن الشمال إلى اليمين وانظر ماذا ترى؟ تلك حكمة الله في الكون.. (كل في فلك). فإذااستقمت مع هذا الأفلاك ستصير جزءاً من المعمار الكوني وستصير في تناسق مع الحركةالربانية التي أرادها الله لهذا الكون وستجد نفسك ذرة سابحة في الفلك الذي يريدهلك الله. كل الأكوان في قبضته يحركها حيث يشاء ويقدر لها رزقها حيث يشاء (وماتشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين). فنسأله أن يلطف بنا فيما يشاء.. أدع ربك وأسأله أن يجعلك قطرة ماء تسقط فيمحيط فتستمد قدرتها من قدرة المحيط. او ذرة تسبح في تناغم مع ذرات الكون لتصيرجزءً منه أو عافية تنتشر في جسمك فلا تغادر سقماً وتنتشر في أجسام مرضاك فتشفيهمفتوجه إليه في هذه الأيام وأنت موقن بالإجابة فلعل ومضة من نوروجهه الكريم الذيملأ به أركان عرشه تغشاك ويومها تعرف معنى الرحمة والرضا والمعافاة الدائمة فيالدنيا والآخرة. اللهم غيرها لا نبغي. وكل عام وأنتم- أحبتي- في خير ونعيم دائم.