تتداخل ازقته الملتوية مع الاحياء المجاورة مثل اذرع تتصافح صباح كل يوم (قنبر علي) حي من احياء رصافة بغداد، تمتد جذوره التاريخية الى قرون عديدة وتعود تسميته الى مرقد ينزوي بين بيوته، يعود الى (قنبر) خادم الامام علي الهادي، الكلمة تعني خادم آي (خادم علي) ويزور ذلك الضريح سكان تلك المنطقة تبركا وتقربا لآل بيت الرسول (عليهم السلام).
برغم المساحة الضيقة لمحلة (قنبر علي)، فانها تحوي على اكثر من مرقد لشخصيات دينية غير معروفة ولكنها موضع اعتزاز وتكريم اهالي الحي والاحياء المجاورة.
فهناك بناء قديم يضم داخله مرقداً لـ (ابو اسحاق الجويني) وهو شخص يهودي دفن في تلك المنطقة التي كان يسكنها الكثير من العوائل اليهودية، قبل هجرتهم من العراق بداية خمسينات القرن الماضي.
وكما في الاساطير، يحكى هنا عن ذكر افعى (عربيد) يسكن ذلك المزار الخرب ويحرسه منذ مائة سنة. ويتحدث الاهالي عن امرأة تدعى ام اسراء تعد له وجبة طعام من البيض المسلوق، وتقوم بتلك الخدمة من تلقاء نفسها منذ الطفولة.
المنطقة كانت مسكونة من قبل الاسر (اليهودية)، ويروي كبار السن هنا عن امرأة يهودية اسمها (ليلو) عاشت في قنبر علي ووسط ود ومحبة الناس، وحين وافتها المنية مشى بتشييعها اهل الحي جميعا.
يعتز اهالي المنطقة بالقصة الشهيرة لاحد جولات الزعيم عبدالكريم قاسم ووقوفه عند احد الافران الذي رفع اصحابه صورة كبيرة له، قارن الزعيم بين حجم الصمونة التي كانت صغيرة، وحجم صورته، فطلب من صاحب الفرن: (كبر الصمونة وصغر صورتي) وقد دخلت تلك العبارة الموروث الوجداني العراقي، وصارت تضرب كمثل على العدالة الاجتماعية والتواضع لدى الحكم.
وقد اشار اكثر من شخص الى مكان ذلك الفرن.
ويروي اهالي (قنبر علي) قصة اخرى عن صاحبة الخبز، التي وقف عندها الزعيم سائلا عن ثمن خبزها، فقالت: باربعة فلوس، واجابها: (غدا ستصبح الخبزة بخمسة فلوس) وفي اليوم التالي صدر الامر بابدال العملة القديمة (العانة) التي تساوي 4 فلوس، بالعملة الجديدة الخمسة فلوس، فخرجت بائعة الخبز ترقص وتهلل في ازقة (قنبر علي) وتقول: (بشر الزعيم بزيادة العانة، فلس).
تتوسط (قنبر علي) مجموعة من المقاهي القديمة التي يأوي اليها رجال الحي، وقد كان بعضها يتخصص بجلوس المهنيين والحرفيين، مثل تلك التي كان يجلس فيها خلفات البناء الذين يجيدون البناء البغدادي القديم المحافظ على الطراز المعماري المتميز بالشناشيل والواجهات المنقوشة، والذي يتنافسون مع خلفات (باب الشيخ) المعروفين باجادتهم لطراز البناء القديم.
اختفت تلك المقاهي وسط الحي العتيد، واختفى ذلك الجيل من العمال المهرة الذين اتحفوا بغداد باعمالهم المعمارية البارعة.
لم يبق من تلك المقاهي سوى مقهى طه، ومقهى النقيب الذي اشتهر قديماً بوجود (القصخون) الذي يسرد على الجلاس قصص عنتر وعبلة وابو زيد الهلالي، وكان اخر هؤلاء شخص يدعى (ارشاد الواقفي).
تتميز محلة قنبر علي بهوايات شبابها المتعددة فهناك فرق اطلاق الحمام الزاجل وتفوقها على ابناء الاحياء المجاورة اثناء خوضهم المسابقات السنوية التي يطلق فيها الهواة طيورهم من محافظة البصرة، لتاتي زواجل قنبر علي قبل الجميع، واخر (جمباز) يفوز بتلك المسابقات الغريبة، عباس طبرة ابن الحي.
وفي الربيع من كل سنة يبدأ مهرجان الطائرات الورقية، حيث يعتلي الصبيان سطوح المحلة مطلقين طائراتهم المتنوعة، فتلك المقاتلة التي تتكاسر مع الطائرات الاخرى، وتلك المسائية التي تحمل شمعة صغيرة، لتبقى طوال الليل منيرة في السماء وتسمى الفانوس.
منطقة منسية
ليست (قنبر علي) محلة للتاريخ الغريب والحكايات والاساطير المشوقة، انها منطقة شكوى مريرة، ومعاناة طويلة مع قلة الخدمات البلدية وانهيار البنى التحتية لحي لم تدخله يد الترميم والتجديد منذ عقود.
يقول حسن غفوري، مختار المحلة، وهو من سكان قنبر علي القدماء، ان المياه الجوفية تحاصر البيوت وتدخل المحال التجارية، حتى ان احدى القيصريات هجرها اصحابها لغرقها بالمياه الجوفية.
وفي ايام الشتاء الممطرة يتعذر الوصول الى بعض الازقة لامتلائها بمياه الامطار يجوب اسواق وازقة الحي، شباب لا يجدون عملا، وحسب المختار، ابو فراس، فانهم يمتهنون الحمالة في الشورجة المجاورة لمحلتهم، ولذاك تنفرد (قنبر علي) بوجود خان متخصص بتاجير عربات الدفع المستخدمة بالتحميل، ويقول ابو علي، صاحب ذلك الخان، ان العربة تؤجر من الصباح حتى المغرب، مقابل مبلغ 1000 دينار ويعتقد ان معظم المؤجرين من شباب المنطقة غير قادرين على دفع اكثر من هذا المبلغ ولذلك فهو لا يطلب اكثر منه.
فاضل، محمود، علي، من شباب المحلة، يقولون ان معظم اولاد قنبر علي لم يستطيعوا الحصول على تعليم مناسب يؤهلهم للحصول على وظائف لائقة، ولم يتقنوا مهنة مثل الحدادة والنجارة التي كانت منطقتهم تزخر بالبارعين فيها، بسبب تسارع الاحداث التي اثرت على استقرار المنطقة ومعاناتها من العنف الطائفي الذي تفجر قبل سنوات.
(قنبر علي) من الاحياء القديمة في بغداد، ظلمها الزمن، وسحقتها السنين، واجهزت عليها عوامل الاهمال والنسيان، تنتظر الكثير من التخطيط السليم والعمل الجاد المنصف من قبل المؤسسات المعنية، كأمانة بغداد والكهرباء والماء فقد وصل الامر بابنيتها العتيقة الى السقوط على ساكنيها المستسلمين الى اليأس والفقر المدقع.
جاء في كتاب (احوال بغداد في القرنين الثاني عشر والتاسع عشر) لفلكس جونز: محلة (قنبرعلي) عام 1846 كانت تتكون من: جامع قنبر علي، قهوة اسماعيل كهية، قهوة الوكف، قهوة كخته بند، حمام قنبر علي، عقد مسجد عبد الغني، عقد الحمام، عقد السيد، عبدالله، عقد التكية، العقد الضيق، عقد اليهود، عقد النجاجير، عقد الخبائز، عقد القلوع.
يذكر كتاب (معالم بغداد في القرون المتأخرة)، (نسبت محلة قنبر علي الى مرقد يدعى قنبر علي، وكانت معروفة بنسبتها هذه في النصف الاخير من القرن التاسع عشر للهجرة، ثم عرفت بعد بناء الجامع عند المرقد المذكور بمحلة جامع قنبر علي، كما في سجلات المحكمة الشرعية في بغداد في السنوات (1229-1231-1233هـ).؟
معالم المحلة: (زقاق الباشا وشارع عباس افندي وسلطان حمودة). وكان الزقاق يمثل امتداداً لمحلة تحت التكية حيث يقع مسجد عبد الله، اما الآن وبعد فتح شارعي غازي والخلفاء فقد اختفى قسم كبير من المنطقة واصبحت حدودها، شارع غازي- شارع الخلفاء، شارع الامين وقاضي الحاجات وتشمل الاسواق: سوق قنبر علي، سوق حنون الكبير، سوق حنون الصغير، تحت التكية، عقد بحر، عقد خضر بك.
قنبر مولى علي الهادي
تذكر مخطوطة (تذكرة الاولياء) لـ مرتضى نظمي زاوة: ان قنبراً هذا هو مولى الامام علي الهادي بن محمد الجواد (ع) في القرن الثالث الهجري ودفن في مقبرة باب ابرز هذا الجامع الذي عرف عند العامة بجامع (قنبر علي) وكنيته ابو طالب.
شبكة الاعلام العراقي