يا شعرُ غادرني وحرِّرْ أضلعي
إن أنتَ لم تطفئْ حرائقَ أدمعي
ما دمتَ لم تعطِ الرَّغيفَ لجائعٍ
وغضضتَ طرفَكَ عن أسىً متسكِّعِ
ومضيتَ مخذولاً كظلٍّ عاقرٍ
لم يلتفتْ لأنينِ فقرٍ مدقِعِ
بين الوجوهِ وحزنِها وضبابِها
يمشي كنورٍ خافتٍ متقطِّعِ
يشتاقُ للأحلامِ لكنْ قابعٌ
في برجِهِ العاجيِّ كالمتقوقعِ
ويغازلُ الوهمَ الجميلَ متيَّماً
بسرابِهِ وبوصلِهِ المتمنِّعِ
ويخبِّئُ الكدَماتِ بين سطورِهِ
ويمرُّ دون ملامحٍ كمقنَّعِ
ما كفكفَ الآلامَ عن ثكلى وما
مسحَ البُكا عن شارعٍ متوجِّعِ
ومشردين تناثرتْ أيامهم
ما بين أرصفةِ الضياعِ المفجعِ
طمستْ معالمُهم وباتوا كالحصى
في دربِ نسيانٍ كئيبٍ مفزعِ
في عالمٍ بالزيفِ ينضحُ سافرًا
يرمي قذارتَهُ إلى مستنقعِ
إنسانُنا بين الدَّراهمِ مُزهقٌ
وضميرُنا قد نامَ دون تورُّعِ
والحبُّ تاهَ و مُزِّقتْ أوصالُهُ
فغدا كثوبٍ بالرَّمادِ مرقَّعِ
ما عادَ فينا للمشاعرِ جذوةٌ
نمضي كطيفٍ خلفَ نعشِ مودِّعِ
نبكي بلا دمعٍ وفي أحداقِنا
ليلُ ولا ندري صوابًا أو نعي
يا شعرُ غادرْ خافقي إن لم تكن
صوتاً لكلِّ معذَّبٍ وملوَّعِ
إن لم تكن عطراً يداوي حسرةً
في قلبِ مكلومٍ... ولهفةَ مولَعِ
إن لم تصحْ في وجهِ ليلٍ جائرٍ
متجبِّرٍ فاتركْ يديَّ وإصبعي
وانسلَّ من روحي كنزفٍ عابرٍ
إن لم تسرْ في ركبِ آهاتي معي
محمد الدمشقي