جدوى برنامج عدالة منصفة وشاملة في العراق
د.نهى درويش
إن حجم المشكلات السياسية التي انعكست سلباً على حياة المجتمع العراقي منذ عام 2003 وما رافقها ونتج عنها من مشكلات اجتماعية واقتصادية تتطلب برنامجا واقعيا لعدالة انتقالية منصفة وشاملة في العراق، وهذا لن يتم ما لم يكن للحكومة إيمان حقيقي بجدوى هذه العدالة لإنهاء أزمة الحكم السياسي، والتي تتمثل بـ:
·إحراز الاهتمام والتوجه الدولي الواسع النطاق، نحو ضرورة تقديم المسؤولين عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان إلى المحاكمة. من خلال تشكيل محاكم مختلطة عن الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسان والوطن في العراق بضمتها جرائم الفساد المالي وغسيل الأموال في العراق.
·بلورة مفهوم واقعي لأفضل صيغة للتعايش في المجتمعات التعددية، وهو تحقيق المصالحة بين الأطراف المتحاربة أو المتنافسة والمكونة للمجتمع من خلال مصالحة شاملة، مما يؤدي إلى استقرار الأوضاع العامة وتحقيق السلم الأهلي.
·إعلان مبدأ تصفية آثار ومخلفات الماضي بأسلوب حضاري لمعالجة الاحتقان والتوتر، والنصرة للضحايا وذويهم، عبر استحداث برامج وأنشطة اجتماعية وثقافية ومالية، من قبيل إقرار مبدأ التعويضات للضحايا والتشجيع على نشر قصص التسامح بين الناس، أفرادا أو جماعات، عبر وسائل الإعلام.
·السعي الحثيث لأحداث تطور اقتصادي واجتماعي وسياسي.
·إشاعة عمليات المراجعة والإصلاح لكافة البرامج الحياتية، بما ينسجم والأوضاع المستحدثة خصوصاً برامج التعليم، والأداء الاقتصادي، والحياة السياسية، والبرامج الاجتماعية، والمشهد الثقافي والإعلامي.
إن احترام حقوق الإنسان عنصر مركزي لا بد أن يتوافر في البرنامج الحكومي، ولا بد أن تتمحور حوله برامجُ التعاون في هذا الميدان لكون العدالة الانتقالية مولودة من رحم مبادئ حقوق الإنسان. لذا، لا بد أن تتناول الأولويات التي يجب الدفاع عنها بقوة على الساحة السياسية، محليا ودوليا، وتسمح بتطبيقها عملياً ضمن إستراتيجية تتضمن: احترام الحريات الأساسية، وحقوق الأطفال، وحقوق النساء، وحرية التعبير، ومكافحة الإفلات من العقاب، ودعم العدالة الجزائية، ومكافحة عقوبة الإعدام والتعذيب، وإدانة الاختفاء القسري ومكافحته، ودعم المدافعين عن حقوق الإنسان، ومكافحة الاتجار بالبشر، ومكافحة التمييز المرتبط بالنوع.
ومن جهة ثانية، لا بد من تشجيع حقوق الإنسان على مستوى أفقي من خلال: منع الأزمات والسعي لإحلال الأمن والسلام، وإصلاح قطاعات الأمن أو العدل، وضمان أفضل شفافية في توزع الثروات الطبيعية.
ولعل الدفاع عن حقوق النساء هو من الأمثلة البارزة على الأدوات ومميزات النجاح أمثلة، إذ تشكل حقوق النساء إحدى أولويات العمل في مجال احترام حقوق الإنسان وحمايتها. وتؤكد القرارات الأممية أن النساء، اللواتي غالباً ما يكنّ أكثر ضحايا النزاعات المسلحة، يمكنهن لعب دور أساسي في بسط السلام وإعادة البناء بعد مرحلة النزاع.
ومن الأمثلة الأخرى، كذلك، حماية الطفولة، التي ينبغي أن تشمل حمايةَ الطفولة في النزاعات المسلحة، والقضاء على بغاء الأطفال، واحترام حقوق الأطفال المعوقين، ومكافحة التمييز المرتبط بالميل الجنسي والهوية الجنسية.
ومن الأمثلة المهمة، هنا، حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين غالباً ما يتعرضون إلى تهديدات مباشرة بسبب التزامهم بالدفاع عن احترام الحريات الأساسية، وتتم عرقلة نشاط منظمات المجتمع المدني بانتظام (مصادرة وثائق، أو سرقة معطيات، أو ملاحقات قضائية، أو ما إلى ذلك).
خريطة الطريق إلى العدالة والسلام الدائم
ينبغي أن تكون هناك مجموعة من الالتزامات الدائمة والثابتة عن حقوق الإنسان تلتزم بها الحكومة. هذه الالتزامات هي:
·تشجيع حقوق الإنسان بطريقة أفقية في كل القطاعات، وعلى وفق استراتيجيات معتمدة في مجال الحوكمة الديمقراطية والهوية الجنسية.
·تركيز العمل على أولويات السياسة الوطنية في مجال حقوق الإنسان. هذه الأولويات يمكن أن تشمل: حماية حقوق النساء ومكافحة أعمال العنف ضدهن، وحماية الطفولة في أثناء النزاعات المسلحة، ومكافحة الإفلات من العقاب والاختفاء القسري، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
·تقوية الشراكة المتعددة الأطراف مع منظمات المجتمع المدني.
·تشجيع التدريب في مجال حقوق الإنسان الذي ينبغي أن تؤمنه المراكز والوحدات الجامعية أو المدنية.
·مواكبة الجهود وأعمال المنظمات المدنية من خلال الحوار وتقديم مساعدة تقنية ذات طابع وطني، لمدة قصيرة أو طويلة الأمد.