*هل يمكن لزوجة النبي أن تخونه في عرضه وشرفه؟ أم فقط خيانة دينية؟*
الجواب:
لعل السؤال يشير إلى هذي الآية القرآنية ..
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم - الآية ١٠].
*لو كان كذلك، فالآية لا علاقة لها بالفحشاء أصلاً،* وقد اتفق المسلمون ـ شيعة وسنة، إلا النادر ـ على أنها *تعني الخيانة في الميثاق الدِّيني،* ولا شيء غير هذا.
قال الشيخ المجلسي في مرآة العقول: ج١١ ص١٩٣ ح٢، *«وخيانة امرأتَي الرسولَين لم تكن فجوراً، بل إنما كانت نفاقها وإبطانهما الكفر، وتظاهرهما على الرسولَين. ولذا خلدتا في النار، ولم ينفعهما شفاعة الرسولَين على الله».*
بل إن مادة (خ و ن) المعجمية، ما *تجيء في القرآن بمعنى الفاحشة، إنما تأتي بمعنى النفاق أو نقض العهد.*
قال الراغب في المفردات: ص٣٠٥، «الخيانة والنفاق واحد، إلا أن *الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة،* والنفاق يقال اعتباراً بالدِّين .. ثم يتداخلان، فالخيانة: *مخالفة الحق بنقض العهد في السِّر*. ونقيض الخيانة: الأمانة، يقال: خُنْت فلاناً، وخُنْت أمانة فلان. وعلى ذلك قوله تعالى: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال - الآية ٢٧]، وقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم - الآية ١٠]».
وقد فصَّل في المسألة بما لا مزيد عليه المصطفوي في التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج٣ ص١٥١، فليُراجع.
هذا، والإمكان في السؤال يتصوَّر على أنواع ..
١- إمكان عقلي: أي أن العقل يحكُم على قضية زنا زوجات الأنبياء (ع)، إما بالجواز أو بالامتناع.
*والعقل لا يرى أيَّ مانع من ذلك، فيجوز أن يقع الزنا منهن، فهن لا يختلفن عن سائر البشر في شيء من هذي الحيثية.*
٢- إمكان تكويني: أي أن طبيعتهن وخِلقتهن قابلة لأن يقع منهن الزنا أو لا يقع.
*وليس لهن تكوين خاص متغاير مع بقية البشر، فيجوز أن يقع منهن الزنا تكويناً.* ولكن هنا جائز أيضاً أن يتدخل الله (تعالى) ـ *بشكل أو بآخر ـ فيمنع من وقوعه، حماية لبعثة أنبيائه (ع) أن تتلوَّث، فينفر الناس منها.*
٣- إمكان تشريعي: أي أن الله (تعالى) شرَّع عليهن حرمة الزنا، *كما شرَّع لغيرهن سواء، ثم جعل لهن حرية الاختيار، إما يُطِعن فيُؤجَرن، أو يَعصِين فيُعاقَبن.*
*والحق أن زوجات الأنبياء (ع) لا تمتنع عليهن الفاحشة، لا عقلاً ولا تكويناً ولا تشريعاً، فيجوز وقوعها منهن*. والدليل: أن الله (تعالى) حذرهن بشدة من اقترافها ..
قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب - الآية ٣٠].
*سواء كانت الفاحشة هي الزنا خاصة، أم هي عنوان للكبائر عامة ـ* كما بتفسير الزمخشري: ج٣ ص٥٣٥-٥٣٦، وتفسير القرطبي: ج١٤ ص١٧٦، وغيرهما ـ لا إشكال أن الزنا لا يخرج عن مصاديق هذه الفاحشة.
*لكن ربما يتدخل الله (تعالى) ـ بطريقة ما ـ فيمنع وقوعها، صيانة لبعثة أنبيائه (ع) أن توسَّخ وتقذَّر، فينتقض غرضها.*
ومهما يكن، فقد أجمع المسلمون ـ إلا الشاذ ـ *على طهارة ونزاهة أعراض الأنبياء (ع) لا يدنِّس البغاءُ والعهرُ شرفَهم.*
قال الشيخ مغنية في التفسير الكاشف: ج٧ ص٣٦٨، *«إن المسلمين يعتقدون أنه ما زنت امرأة نبيٍّ قط».*
*والشيعة وإن كانوا لا ينزهون أزواج الأنبياء (ع) عن الفسق أو الكفر،* لكنهم *ينزهونهن عن الفجور والبغاء*، لأن اقتراف الزوجة للزنا *عادة يشين عِرْض الزوج اجتماعياً، وأما فسق أو كفر الزوجة فلا يعيب بيت الزوج.*
قال الشريف الكاشاني في زبدة التفاسير: ج٧ ص١١٨، « *ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، لأنه سَمِجٌ في الطِّباع كلها، نقيصةٌ عند كلِّ أحد، موجبٌ لاستخفاف الزوج، وحطِّ مرتبته ومنزلته عن قلوب العِباد.* بخلاف الكفر، فإن الكفار لا يَسْتَسْمِجُونه، بل يَسْتَحْسِنُونه، ويسمُّونه حقاً».
*لذلك علماء الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ نصوصهم متضافرة في تنزيه زوجات الأنبياء (ع) عن الفحشاء،* منها مثلاً:
١- رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: «ما زنت امرأة نبيٍّ قط»، وفي رواية: *«ما بغت امرأة نبيٍّ قط».* التبيان: ج٥ ص٤٩٥، وج١٠ ص٥٢، مجمع البيان: ج٥ ص٢٥٤، وج١٠ ص٤٧٩.
٢- قال الشريف المرتضى في الأمالي: ج١ ص٥٠٣، *«الأنبياء (ع) يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تَعَرُّ وتَشِينُ وتَغُضُّ من القَدْر.* وقد جنَّب الله (تعالى) أنبياءه (ع) ما هو دون ذلك، *تعظيماً لهم وتوقيراً، ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم».*
٣- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج١٠ ص٥٢، *«لما في ذلك من التنفير عن الرسول، وإلحاق الوَصْمَة به، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس ذلك قولاً لمحصِّل».*
٤- قال الشيخ الطبرسي في الجوامع: ج٣ ص٥٩٦-٥٩٧، «ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، لأنه نقيصة عند كل أحد، سَمِجٌ في كل طبيعة، بخلاف الكفر، لأن الكفار لا يَسْتَسْمِجُونه. وعن ابن عباس: ما زنت امرأة نبيٍّ قط، لما في ذلك من التنفير عن الرسول، وإلحاق الوَصْمَة به».
٥- قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: ج١ ص١٢٠، *«إن زوجة النبي يجوز أن تكون كافرة* ـ كما في امرأتَي نوح ولوط ـ *ولا يجوز أن تكون زانية، لأن ذلك من النقائص التي تلحق النبي، فتوجب سقوط محله من القلوب، وعدم الانقياد لأقواله وأفعاله، وذلك ينافي الغرض المقصود من إرساله».*
٦- قال السيد الطباطبائي في الميزان: ج١٥ ص١٠٢، *«إن تسرُّب الفحشاء إلى أهل النبي ينفِّر القلوب عنه،* فمِن الواجب أن يطهِّر الله (سبحانه) *ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء، وإلا لغت الدعوة*. وتثبت بهذه الحُجة العقلية *عفتهن واقعاً لا ظاهراً فحسب».*
يقول الألوسي في روح المعاني: ج١٤ ص٣٥٧، *«وما يُنسَب للشيعة ـ مما يخالف ذلك ـ في حقِّ سيِّد الأنبياء (ص)، كذبٌ عليهم، فلا تعوِّل عليه، وإن كان شائعاً»*.