العدالة الانتقالية هي حجر الأساس لبناء نظام تعدّدي ديمقراطي يرسي دولة القانون والمؤسسات، وهي الضامن الرئيسي للقطع مع الماضي وتجنيب البلاد أيّ نزعة للانتقام أو التشفّي، فالمسألة تتجاوز مجرّد العدالة لتشمل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن. إنها برنامج للتحول السلمي في مجتمع تعرض للاستبداد الشامل والتخريب الطائفي والعرقي والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان الى مجتمع تسوده الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، من خلال عملية ازالة اثار حقبة الاستبداد واعادة التوازن داخل المجتمع، باعتبارها الدافع لتلاحم الجميع من أجل بناء الدولة الجديدة. إذ تؤدي تلك الانتهاكات الى فقدان التوازن داخل المجتمع، ولا يمكن البدء ببناء مجتمع جديد دون اعادة التوازن اليه عبر التعامل مع الماضي بواسطة اليات العدالة الانتقالية. وهذا التعاطي مع الماضي لا يعني بالتأكيد الانتقام أو الثار، بل إن هذه الظواهر لا تأتي إلا بسبب عدم معالجة الماضي وغض الطرف عن تحقيق العدالة.
استراتيجيات وآليات تحقيق العدالة الانتقالية
يهدف أي برنامج لتحقيق العدالة الانتقالية عادةً إلى وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، التحقيق في الجرائم الماضية، تحديد المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم، تعويض الضحايا، منع وقوع انتهاكات مستقبلية، الحفاظ على السلام الدائم، المصالحة الوطنية.
ولتحقيق هذه الأهداف يمكن اتباع الاستراتيجيات التالية، مع ملاحظة أن هذه الاسترتيجيات لا تعمل بصورة منفصلة عن بعضها البعض، إنما تعمل وفق رؤية تكاملية فيما بينها:
1- المحاكمات والتحقيق في الجرائم بموجب القانون الدولي الملزم لكافة دول العالم ومحاسبة المسئولين عنها وفرض عقوبات عليهم، ولا يشترط أن يتم ذلك في محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية مثلاً، ولكن يمكن تطبيقها في محاكم محلية أو وطنية.
2- لجان الحقيقة وهي هيئات غير قضائية تجري تحقيقات بشأن الانتهاكات التي وقعت في الماضي القريب، وإصدار تقارير بشأن سبل معالجة الانتهاكات والترويج للمصالحة، وتعويض الضحايا، وتقديم مقترحات لمنع تكرر الانتهاكات مستقبلاً.
3- تعويض الضحايا وجبر الأضرار ويشمل ذلك التعويض المادي والمعنوي المباشر عن الأضرار ورد الاعتبار للضحايا، واستعادة ما فقد، إن أمكن.
4- الإصلاح المؤسسي، ويعتبر أحد الآليات التي تحتاجها البلدان الخارجة للتو من قمع الديكتاتوريات خاصة، وذلك عبر إصلاح المؤسسات التي لعبت دورًا في الانتهاكات (غالبًا المؤسسات العسكرية والشرطية والقضائية)، فضلاً عن تعديلات تشريعية وأحيانًا دستورية.
5- إقامة النُصُب التذكارية وإحياء الذاكرة الوطنية الجماعية كآلية لإحياء ذكرى الضحايا والتأكيد المستمر على عدم الوقوع في الأخطاء ذاتها مرة أخرى، ورفع مستوي الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي.
منقول للفائدة