الحكم المغولي في العراق* تلخيص 174 سنة من تاريخ العراق من سنة 1258م إلى 1432م.

يعتبر حدث سقوط بغداد عام 1258 م أكبر كارثة حضارية ضربت العراق ما بعد الإسلام، حيث أدت إلى تدمير الحضارة وأسسها في العراق العظيم، فبعدما كان العراق سيد العالم وخليفتها العباسي في بغداد يحمل لقب "ملك ملوك الأرض"، ومدينة بغداد كانت منارة العلم التي تنير العالم أجمع، عاد العراق بدائيا محتلا.

وفي هذا المقال نسلط الضوء على فترة مجهولة للكثيرين هي فترة حكم المغول للعراق بعد أن أسقطوا الخلافة العباسية وقتلوا آخر خلفائها في بغداد الشهيد عبد الله المستعصم بالله.

تقسم فترة حكم المغول في العراق إلى فترتين:

1- فترة حكم دولة إيلخانية المغول (من 1258 الى 1336)
2- فترة حكم دولة جلائرية المغول (من 1336 الى 1401 ثم بشكل متقطع حتى عام (1430)
3 - فترة حكم دولة التيموريين المغول (من 1401 الى 1406)
-
-
البداية
-
-
عندما إحتل المغول بغداد عام 1258 م عمدوا إلى تدمير كل شيء ممكن أن يستعين به العراقيون لإعادة قوتهم مستقبلا، وسعوا حتى إلى الإبادة والتطهير عرقي فقتلوا 2 مليون نسمة، وألقوا كتب العلم في نهر دجلة فتحول لون النهر إلى لون الحبر الأزرق، ولم يطل الضرر بغداد فقط، بل طال مدن أخرى مثل الحلة والكوفة والبصرة والموصل وغيرها من المدن التي تضائلت قيمتها ومساحتها، وتحولت بغداد من عاصمة الأرض إلى مركز ولاية تابعة لمدينة تبريز عاصمة الدولة الإيلخانية المغولية.
-
-
محاولات التحرير العباسية.
-
-
شن العباسيين حروبا بهدف تحرير العراق، وكانت بقيادة الخليفة أحمد الحاكم والخليفة أحمد المستنصر، فاستطاعا تحرير مناطق عديدة مثل عانة وحديثة وهيت، وبعد ذلك حصل إتحاد بينهما، وتنازل الحاكم للمستنصر، وشنا حملة عسكرية بهدف تحرير بغداد، ووقعت معركة كبيرة هزم فيها العباسيون واستشهد فيها الخليفة أحمد المستنصر، وبعد ذلك اصاب العباسيون اليأس من تحرير بغداد، واستقروا في مدينة القاهرة في مصر والتي أصبحت عاصمة الخلافة العباسية، وقسم آخر من العباسيين قاموا بتأسيس إمارات صغيرة في شمال العراق

محاولة التحرير العشائرية
-
-
ظلت القبائل العربية بالرغم من وجود تنظيمات الجيش في اواخر العصر العباسي القوة الاحتياطية العسكرية التي ترفد بالمقاتلين في اوقات تعرض الدولة العربية للأخطار الخارجية. وهبت تلك القبائل ملبية نداء الخلافة العباسية للتطوع في جيوشها لرد المغول، وقد كان لإسهام القبائل العسكري في مقاومة ومواجهه الغزو المغولي الاثر الفعال في استمرار اعتداءات الجيش المغولي عليها، وكان من الذين واجهو الاحتلال المغولي سيف الدين القتال، وهذا ما دفعها على الانسحاب الى البوادي تحتمي بها من ارهاب الغزاة ومن هناك قادت المقاومة المسلحة في الريف وفي البادية، فكانت البطائح مركز الامارة والثورة وظهرت به جماعة بني عز وهم من الاشراف بني العزي وقد شكلو امارة عشائرية في 735هـ شهاب الدين العزي تضم عبادة وخفاجة والمنتفق وربيعة وغيرها، اما في الجهة الغربية كانت ال ربيعة، وال فضل ومواقع سكناهم تمتد من حمص وقلعة جعبر الى الرحبة، ثم على شقي الفرات وأطراف العراق الى البصرة. وقد فرضت وجودها وسيطرتها على مناطق غربي العراق وجعلته خارج أطار نير الاحتلال الاجنبي. وبسبب قوة تلك القبائل ودقة تنظيمها وطابعها العسكري وقدرتها على حفظ الامن في البادية فان دولة المماليك في مصر والشام حاولت استمالتها وارضائها وعهدت الى رؤسائها الذين سمتهم امراء العرب حماية قوافل التجارة القادمة من العراق الى الرحبة على الفرات، ثم منها الى مدن الشام والمناطق الأخرى، وكانت هذه الطريق تقع ضمن مناطق نفوذ ال فضل الطائيين. وبهذا يكون الطريق التاريخي الرئيس الذي يربط العراق ببقية اقطار المشرق العربي بقي مفتوحا، وقد استفادت من ذلك دولة المماليك حيث سارعت الى استغلال فزع القبائل من الارهاب المغولي واثارة عاطفتهم الدينية في الانتقام الى الخلافة الاسلامية، ويعد الاشراف بنو عز الممثلين عن قبائل العرب في الجنوب العراقي وآل فضل الطائيين الملقبين بامراء العربان لدى المماليك جزئاً من الجبهة العربية لمقاومة المغول التي شكلها المماليك ليكون حاجزاً، لكن برغم ذلك كانت هناك خلافات بين المماليك والقبائل لشعورهم بالاستقلالية وكذلك بخصوص العلاقات مع المغول التي ترفضها العشائر العربية،

الفترة الإيلخانية.
-
-
هي دولة أسسها هولاكو وتم تسميتها بالإيلخانية نسبة إلى لقبه "إيلخان" والذي يعني "الخان الصغير"، وتعتبر الفترة الإيلخانية في العراق والتي كانت بين عامي 1258 و1336م فترة ظلامية في العراق، تولى حكم العراق خلالها 9 حكام، وكان العراق مجرد بلد تابع لتبريز، وكان حكام الايلخانية لا ينظرون للعراق إلا كنقطة إنطلاق لإحتلال الشام ومصر، ولم يضيفوا أي شيء حضاري للعراق، ولكنهم هم تأثروا وأخذوا من الحضارة الإسلامية، وأكبر مثال عندما أعلن ملك المغول محمود غازان إعتناقه للإسلام عام 1295 م وترك الوثنية، ومع ذلك بقيت علاقته عدائية مع المسلمين في الشام ومصر ومتحالفا مع الفرنجة ضدهم.
وبقيت الدولة الايلخانية المغولية قوية حتى اخر ملوكها الملك ابي سعيد، ولكن اصاب الدولة الايخانية كارثة صحية مأهولة، وهو إنتشار "الموت الاسود" وهو الطاعون في ارجاء المملكة والذي ادى إلى إنهيارها وتفككها بعد وفاة آخر ملوكها أبي سعيد عام 1335مـ. وقد رافق ذلك ثورة بدوية للقبائل العراقية كعبادة وخفاجة والمنتفق وبني اسد في البطائح قادها جماعة يعرفون ببني عز ما ادى الى سقوط الايلخانيين في نهاية المطاف وقتل الثائرين لموسى خان الايلخاني وكان آل ربيعة في الغربية قد ساهمو بالضعف
-
-
الفترة الجلائرية.
-
-
بعد وفاة اخر ملوك دولة إيلخانية المغول عام 1335 م، إستطاع القائد حسن بزرك أحد قادة هذه الدولة السيطرة على بغداد والعراق ومناطق من غرب إيران، وأسس الدولة الجلائرية المغولية عام 1336 م والتي ستستمر إلى عام 1432 م، وحكم العراق خلالها 8 حكام، وتم تسميتها بالجلائرية نسبة إلى عشيرة جلاير المغولية التي ينحدر منها مؤسس الدولة.
وتتميز هذه الفترة بأن بغداد عادت لتكون مركزا للدولة، وإهتم الجلائريون أكثر بالعراق، فبنوا فيها المدارس والمرافق، وإعتمدوا اللغة العربية كلغة دبلوماسية ولكن بقيت اللغة المغولية كلغة حكومية.
وكذلك خاضوا حروبا مع المماليك غربا لتوسيع حدودهم، ليبدء السلطان ناصر الدين قلاوون المملوكي بتشكيل جبهة عربية موحدة ضدهم عام 740هـ وقد دعم بني عز والمتحالفين معهم مثل عبادة وخفاجة والمنتفق التان تسيطرها على البطائح حد البصرة والفرات الاوسط، وتوسع نفوذ الامارة العزية بعد ان اصبح الامير احمد شهاب الدين ابي علي العزي اميرها، وظهور شخصيات مقاومة مثل الشريف احمد ابن رميثة ابن أبي نمي، وظهور والأحداث الاخرى التي أدت لضعف الدولة الجلائرية فهي حروب تيمورلنك المستمرة ضدهم، وإقتحامه للعراق أكثر من مرة، وفي كل مرة يهرب السلطان أحمد الجلائري من العراق، وثم يعود لها ويسيطر عليها بعد إنسحاب تيمورلنك، وقد دخل بغداد اواخر عام 802هـ بعد ان اعانته القبائل العربية في البطائح بعد ان شرط عليه الامير احمد شهاب الدين ابي علي العزي استقلالية البطائح عن الحكم الجلائري وكذلك اعانته القبائل التركمانية من جهة الشمال، وهذه الاقتحامات أدت إلى تدمير هيكلية الدولة وإنقسام الأسرة الحاكمة، وتضرر العاصمة بغداد نتيجة ما قام به تيمورلنك من مجازر ضد سكان بغداد.
-
-
الفترة التيمورية
-
-
وتعد من ابشع الفترات في تاريخ العراق، فقد غضب تيمورلنك غضباً شديداً على سيطرة القبائل العربية والتركمانية مع السلطان احمد الجلائري على بغداد وطرد واليه على العراق منها فسير جيوشه الهمجية، فدخلت قواته بغداد بمشهد بشع حوى اشكال من المجازر والمذابح الجماعية ثم تحركت نحو مناطق جنوب العراق، وقد قاومت القبائل العربية بقيادة احمد شهاب الدين ابي علي العزي في البطائح القوات وتمكنت من اغراق معظم سفن الجيش التيموري وقتلت من قواته اعداد كبيرة وهذه في الحملة التيمورية الاولى على واسط، لتتحرك حملة ثانية بقيادة جنرال يشتهر بوحشيته، فتمكن من دخول واسط بعد ان قاومت القبائل العربية عدى من تخاذل حتى استشهد الشريف احمد شهاب الدين ابي علي العزي شرق الكو بمنطقة تسمى الى يومنا هذا بالشهابي، وقد فعلت مجازر بها يندى لها الجبين كان لامراء بني عز نصيب كبير منها ووضعت حامية خشية تمردهم مجدداً، ثم تحركت قواته نحو باقي المدن العراقية ككربلاء والنجف وصولاً للبصرة حتى اسستب الوضع وقد انتهج تيمورلنك سياسة سيئة طوال فترة حكمه للعراق تركت اثار سيئة في اوضاع العراق عامة حيث اودي بحياة عدد كبير من السكان بسبب الهجمات المتكررة ، كما تسبب في تشريد عدد اخر من السكان وتهجير اصحاب الخبرات العلمية والحرفية الى المدن المجاورة ، كما ادت الى خفظ عدد السكان وتدمير النشاطات الاقتصادية والادارية ...

وبقي الأمر على هذا الحال إلى أن إستطاعت دولة "الخراف السود" التركمانية السيطرة على بغداد في عام 1411 م، فنقل الجلائريون عاصمتهم إلى مدينة البصرة، واستمر حكمهم في البصرة إلى أن استطاع "الخراف السود" السيطرة عليها عام 1432 م، ولتكون هذه نهاية حكم الجلائريين والمغول في العراق، ويكون بذلك السلطان حسين الجلائري آخر حكامهم.