الجنين في رحم أمه لا يعيش في الظلمة... إنه يعيش في النعمة المنيرة بنوره الداخلي... ولكنه حالما يولد ويفتح عينيه يرى الشمس والسماء... الناس والأضواء... يتغير ببطء وينسى أن ينظر إلى أعماقه ويغوص فيها... فيصبح مهتماً بالعالم الخارجي فقط معتقداً أنه كل الوجود والحدود..
في التأمل نعود من جديد إلى داخلنا في الرحلة الداخلية، في الحج إلى بيت السلام، بيت النور المعمور.. علينا أن نتجاهل أمر العالم تماماً، ونكون ذاتنا فحسب.. أن نغوص ونتناغم مع هذا النور الداخلي.. وكأنّ العالم كله قد اختفى ولم يعد له وجود.. وزالت من أيدينا وأرجلنا جميع القيود... بهذا سيحيا الاختبار القديم وينتعش مرة أخرى ليصلنا بالواحد المعبود..
عندما تتعرّف على النور الداخلي هذه المرة ستجده رائعاً ساحراً... لأنك سبق ورأيتَ العالم بكل أشكاله وألوانه.. وسمعتَ كل أنغامه وألحانه... لكنك الآن ترى الصفاء النوراني.. تسمع السكون الداخلي والصمت الروحاني...
وسيكون هذا مفيداً جداً، مجدداً للحيوية والطاقة بشكل كبير..
يمكنك التأمل كل يوم.. متى وجدتَ الوقت لذلك... عندما يسهل عليك نسيان العالم، إما في ساعة متأخرة من الليل.. عندما تتوقف حركة المرور ويذهب الناس للنوم.. ويتوارى العالم كله من تلقاء نفسه.. أو في الصباح الباكر عندما تكون الناس غارقة في نوم عميق..
وحالما تبدأ برؤية النور الداخلي ستتمكن من رؤيته في كل زمان ومكان.. في الليل والنهار.. في العمل وفي الدار.. في ساحة السوق، في المكتب، ... يمكننا أن نغمض أعيننا ونراه... وبمجرد أن نراه ولو للحظة واحدة سيمنحنا ذلك استرخاءً هائلاً وصفاءً رائعاً.. وسيكون مصباحاً ينير أيامنا المظلمة..
اجلس ساعة كل يوم، متأملاً.. متمعّناً في داخلك.. صامتاً.. شاهداً.. مراقباً... منتظراً انفجار شرارة النور والأسرار...
سيسطع نورك ذات يوم من تلقاء نفسه.. دون أن تحتاج لخلقه أو ابتكاره باستعمال الحديد.. كل ما عليك هو أن تكتشفه من جديد...
إن هذا النور الذي ينساب في أعماقنا ليل نهار، هو ذاته الذي ينساب في الكون كله بإيقاع منسجم متناغم.. نور الله الساطع المتعاظم... وليس علينا إلا أن نتأمل.. لتُفتح لنا أبواب نور الوجود والاستنارة والخلود..
النور موجود في قلبك العابد... إذا لم تجده هناك فلن تجده في أيٍّ من المعابد...