ولد سقراط فى آثينا حوالى عام 470 ق.م. وكان أبوه نحاتاً و أمه قابلة. ولا يعرف عن حياته الأولى سوى أنه لما بلغ منتصف العمر أصبح شخصاً مرموقاً فى المدينة، إذ جعلت منه أفكاره الجديدة و شخصيته الفريدة رجلاً مشهوراً. وكان سقراط قبيح المنظر جاحظ العينين، أفطس الأنف، ولكن كان يملك قدرات خارقة للعادة من حيث ضبط النفس و الجلد.
وكان سقراط يجد متعة فى تمضية وقته يناقش المسائل الفلسفية مع كل من يرغب، مؤمناً أنه بصنعيه هذا إنما يؤدى رسالة إنسانية. سأل أحد مريديه يوماً عرافة معبد
" دلفى " عما إذا كان هناك من هو أعظم من سقراط حكمة، وجاء الرد على تساؤله بأنه ليس هناك من هو أكثر حكمة. أما سقراط الذى كان متواضعاً بطبيعته فقد حاول أن يثبت خطأ نبوءة العرافة فراح يبحث للعثور على ما هو أعظم منه حكمة، ولكنه بعد تبادل الحديث مع مختلف صفوف الناس، أنتهى إلى نتيجة هى أن العرافة كانت على صواب. فعلى الرغم من أنه كان سواء فى الجهل مع الآخرين، فإنه كان على الأقل مدركاً جهله، اما هم فلا يدركون.

فى أى نوع من الموضوعات كان يتحدث سقراط !!! إن الفلسفة قبل سقراط كانت تختص أساساً بمسائل تتعلق بوجود العالم و مباهيته. ولقد أقتنع سقراط بأنه من المستحيل الإجابة عن هذه التساؤلات، و إن دراسة هذه المسائل لن تلقى على أيه حال أى ضوء على السبيل الصحيح للحياة، هذا السبيل الذى كان بالنسبة إليه هو الموضوع الوحيد ذا الأهمية الفعلية.
وهكذا فإن هدفه كان جعل الناس يفكر بوضوح فى الطبيعة المجردة للأخلاقيات كالعدل و الشجاعة مثلاً، وذلك بدلاً من مجرد المضى فى حياتهم خلف العقائد التى جرى العرف عليها. وهو لم يطالب بتدريس أية تعاليم، أكتفاء بالتساؤلات التى تعين الناس على أنتزاع الحقيقة من داخل أنفسهم بالتفكير.

لقد آمن سقراط بأن الآثام كلها وليدة الجهل، و أن الناس لو عرفوا فقط ما هو الحق، إذن لما وجدوا صعوبة فى أتباعه. وهذا هو معنى القول المأثور الذى يعزى إليه
" الفضيلة هى المعرفة "، و إنه " ما من أحد يرتكب الخطأ بمحض إرادته ". وهناك قول ثالث ينسبه بعضهم إلى سقراط وهو " من الأفضل أن نعانى الظلم من أن نمارسه ". هذه العقيدة التى تبدو ملازمة للناس الذين نشأوا فى ظل العقائد الدينية كانت قاعدة مذهلة للأثينيين فى القرن الخامس ق.م. و الواقع أن الأهمية التاريخية لسقراط ترجع إلى أنه قدم للفكر حقيقة الهدف الأكبر لحياة الإنسان، وهى أن ينبغى " أن يخلق لنفسه روحاً فاضلة ما أمكنه إلى ذلك سبيلاً ". و أن الإنسان يجب ألا يتردد فى التضحية بحياته مؤثراً ذلك على التنكر لمبادئه.

لم يكتب سقراط شيئاً، ومعرفتنا لمنهجة الحوارى أستقيناها من المحاورات الأولى لتليذه أفلاطون، والتى يأخذ فيها سقراط الدور الرئيسى. و الخطوة الأولى فى المحاورة السقراطية هى إرغام الرجل على أن يرى بنفسه أن أفكاره خاطئة أو ناقصة. وفى سبيل ذلك كان سقراط يستخدم نوعاً خاصاً من التندر بالذات أو التواضع، وهو المنهج الذى عرف بأسم " السخرية السقراطية ". و ينتج عن هذا النهج أن من يشعر بأهمية ذاته يبدوا مشوش الذهن غبياً. وقد منح ذلك " سقراط " سمعة عظيمة، خاصة بين الشباب الذين طربوا لرؤية الأفكار العتيقة لشيوخهم تتحطم تحت وطأة سخرية سقراط. لكن هذا النهج خلق له أيضاً أعداء كثيرين، فالشاعر
" أريستوفان " مثلاً، فى ملهاته " السحب "، يمثل سقراط شخصاً على أستعداد لأن يعلم الناس، لقاء حفنة من الناس، لقاء حفنة من المال، كيف يغشون بأستخدام منطق معوج مضلل.

كان عام 404 ق.م. ختام هزيمة أثينا فى حرب " البيلو بونيز " ضد " سبرطة " و التى تطوع فيها سقراط كمحارب وطنى. و ترجع هزيمة أثينا إلى خيانة
" ألسيبيادس " من ناحية، و إلى النشاط الذى كانت تقوم به من ناحية أخرى عصابة من الإرهابيين عرفوا بأسم " الثلاثين الطاغية "، وهو الذين أرتقوا إلى السلطة فى أثينا و الحرب توشك أن تصل إلى نهايتها. و بعض هؤلاء، فضلاً عن " السيبيادس "، كانوا فى وقت من الأوقات على صلة بسقراط، مع العلم أنه لم يكن مسؤولاً عن جرائمهم. وفى سنة 399 ق.م. قدمت الحكومة الديمقراطيى التى أستعادت السلطة " سقراط " إلى محاكمة بتهمة كفرانه بلآلهة التى تعيدها أثينا بأفساده شباب الدينة. وقد تمت المحاكمة علناً أمام محكمة ضخمة تضم 501 من المحلفين. ولم يجد سقراط صعوبة فى الدفاع عن نفسه ضد الجزء الأول من التهمة، ولا شك فى إنه كان بأستطاعته التبرؤ من التهمتين لو كانت لديه الرغبة فى التنصل من رسالته. و بدلاً من أن يفعل ذلك، أعلن إنه بدلاً من أن يستحق أى عقاب، فإنه يعتبر نفسه مصلحاً عاماً. و كنتيجة لهذا الأتجاه حكم عليه بالإعدام. وقد كان بإمكان سقراط الهرب من البلاد، ولكنه رفض أن ينتهز الفرصة قائلاً أنه لو فعل ذلك فإنما يكون قد تنكر لمبادئه التى قادت حياته كلها. وهكذا مات سقراط فى السجن بعدما شرب جرعة من الشوكران، وهى الطريقة التقليدية المتبعة فى أثينا لتنفيذ أحكام الأعدام.

وقد قدم أفلاطون فى كتابه " دفاع سقراط " نصوصاً حرفية من خطاب سقراط الذى ألقاه خلال محاكمته. كما نجد فى الصفحات الأخيرة من " محاورة فيدو " وصفاً حياً للمشهد الأخير. وتعتبر هذه النصوص من بين مقتطفات الأدب الإغريقى أعظمها و أسماها، يمكن قراءتها فى لغات عدة بعدما نقلت إلى اللغات العالمية الحية و منها اللغة العربية.