اللَّهُمَّ ⚘صَلِّ عَلَى⚘ مُحَمَّدٍ وَ آل⚘ ِمُحَمَّدٍ⚘ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ⚘
كان النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاً (عليه السلام)بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه الى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية[١].
وفي ذلك الوقت اصابت قريش أزمة اقتصادية شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ :
«يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه، قال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له:
إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ماشئتما، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ(عليه السلام) فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه[٢].
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن اختار عليّاً (عليه السلام): «قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً»[٣].
وهكذا آن لعليّ (عليه السلام) أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه (صلى الله عليه وآله) وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ.
وقد أشار الإمام عليّ (عليه السلام) الى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن اُستاذه ومربّيه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة[٤]، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جَسده، ويشمّني عَرْفه[٥]، وكان يمضع الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولاخطلة[٦] في فعل».
الى أن قال: «ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل[٧] أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً[٨]، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء[٩]، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة[١٠] الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله) فقلت: يارسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أ نّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وأ نّك لعلى خير»[١١].
.
~~~~~~~~~~~~
[١] بحار الأنوار: 35 / 43.
[٢] تأريخ الطبري: 2 / 58 ط مؤسسة الأعلمي بيروت، وشرح ابن أبي الحديد: 13 / 198، وينابيع المودة: 202، وكشف الغمة: 1 / 104، وموسوعة التاريخ الإسلامي : 1 / 351 ـ 356.
[٣] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 15 ، نقلاً عن البلاذري والأصفهاني.
[٤] الخصيصة: الخاصة.
[٥] عرفه (بالفتح): رائحته، وأكثر استعماله في الطيب.
[٦] الخطلة: الخطأ ينشأ من عدم الرؤية.
[٧] الفصيل: ولد الناقة.
[٨] عَلَماً: فضلاً ظاهراً.
[٩] حراء: جبل قرب مكّة.
[١٠] رنّة الشيطان: صوته.
[١١] شرح نهج البلاغة للفيض: 802 ، الخطبة 234.
.
منقول بتصرف..