الديلي تلغراف
في الرابع من كانون الأول 1929، وجدت سيارة من نوع (موريس) بين الأشجار بالقرب من غيلافورد (إنكلترا)، وكانت الأوصاف التي ذكرتها الشرطة عن صاحبتها المفقودة كما يلي: عمرها 35 سنة، الطول 5 أقدام و7 إنجات، حمراء الشعر، العينان رماديتان، قوية البنيان، ترتدي جاكيتة بلونين، الرمادي والرمادي الغامق، قبعة صغيرة خضراء، ترتدي خاتماً من البلاتين بلؤلؤة واحدة فيه، ولا ترتدي خاتم الزواج.في عام 1926، كانت أغاثا كريستي مؤلفة روايات بوليسية، ولكنها أصبحت بعدئذ من أشهر الكاتبات والكتاب الذي كتبوا الروايات البوليسية، وأيام اختفائها في ذلك العام، أصبح موضوعاً لعدد من الأفلام، الكتب، ومنها، فيلم المخرج مايكل أبتيد بعنوان (أغاثا-1979، ثم فيلم جاريد كيد، بعنوان (آغاثا كريستي والأيام الـ11 المفقودة)-1999، والذي يعزو اختفاءها بدافع إزعاج زوجها الذي خانها. كما تقدم قناة (آي تي في) حلقات مسلسل يبث حالياً عن ذلك الاختفاء الغامض الذي يشبه ما يحدث لأبطال رواياتها، وهو من إخراج ديفيد سوكيت.وفيه نجد أغاثا كريستي تحجز لنفسها غرفة في فندق والقلق يسيطر عليها، تجتاحها رغبة للاستراحة من زوج خائن، ويقول سوكيث، إن شهرة ومكانة كريستي تدفع الكتّاب إلى استعادة تلك الحادثة وتأويلها حسب استنتاجاتهم.فهناك البعض ممن يظن أنها فعلت ذلك لمجرد إثارة ضجة حولها. وقد أثار اختفاؤها، آنذاك، جدلاً في مجلس البرلمان، وكيف أن الدولة صرفت مبلغاً من المال للبحث عنها، في حين أن تلك التكاليف كما أعلن وزير الداخلية آنذاك لم تتجاوز الـ 21 باونداً.ولكن هذه الإجابة لم تقنع ويليام لون، العضو العمالي في البرلمان، وكان رده، "ومن الذي سيعوّض الألوف من الناس الذين تم خداعهم بهذه الحجة". وبعد أسبوعين من تلك المناقشة، غير وزير الداخلية إجابته السابقة، قائلاً "لم يكلف التحقيق بنساً واحداً".فلماذا يا ترى، أصبحت قضية اختفاء كريستي مسألة سياسية؟ ومن اجل معرفة ذلك، لابد من معرفة الأحداث السياسية التي تؤطرها، وهي باختصار أن (ويليام لون) النائب العمالي، كان يمثل الدائرة العمالية للتعدين، مؤمنا بضرورة تأميم صناعة الفحم، السكك الحديد والبنوك- وإن إضراباً عاماً قد يفيد بتحقيق تلك الأهداف.أما وزير الداخلية، فكان خصمه السياسي البلشفية، معتقداً أن الإضراب العام في أيار عام 1926، هو قرار اتخذ في موسكو، فكان موضوع أغاثا كريستي وإثارته ضد وزير الداخلية، أمراً متقصداً للنيل من النائب العمالي.وهناك أمر آخر غير معروف إلا قليلاً، وهو أن إحدى روايات أغاثا كريستي التي لقيت إقبالاً كبيراً، آنذاك، رواية بعنوان (العدو السري) –عام 1922، وهي عن مؤامرة روسية لإحداث فوضى في إنكلترا، عبر إقناع حزب العمال لدعم إضراب عام، وفي نهاية الرواية، يختلط الشيوعيون مع الآخرين في تظاهرة تطوف الشوارع، حاملين الأعلام الحمراء، وتكتب كريستي في النهاية، أن القادة العمال أرغموا على اتخاذ ذلك الموقف وأصبحوا بمثابة مخالب القط لروسيا.ولذلك السبب استغل النائب العمالي فرصة غياب أغاثا كريستي للنيل من الحكومة كونها ضد السامية (اليهود)، وتتحدث ضدهم في حياتها الخاصة، دون أن تتطرق إلى الأمر رواياتها.إن أعمال الكتابة الكبيرة، كانت تتميز بالاهتمام بتفاصيل الأمور بدقة تامة، ومنها بشكل خاص رواية (جريمة قتل في ميسوبوتيميا)- عام 1936، وقد كتبتها إثر رحلاتها إلى العراق برفقة زوجها، عالم الآثار الشهير، ماكس مالوان، الذي كان يترأس فريق خبراء الآثار في مناطق الحفريات.والميزة الأخرى عند كريستي هي استمرارها ومواظبتها على النهج الذي اتبعته في عملها، دون تغيير، مع تحسين أسلوبها مع الأعوام، من غير محاولة منها لكتابة نوع آخر من الروايات، وخاصة عبر الأساليب الحديثة، ومن أبرز أعمالها الناجحة، (جريمة قتل روجر أكرويد)-1926 الذي صنع شهرتها.