خيمت أجواء الدمار والمجازر التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على أجواء الاحتفالات بأعياد الميلاد في ساحة كنيسة المهد ببيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، التي يؤمن المسيحيون بأن المسيح ولد فيها.
ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948، وفي رسالة موجهة من بيت لحم إلى العالم الغربي الذي تتجه أنظاره إلى كنيسة المهد، لم يتم وضع شجرة عيد الميلاد وإضائتها، التي تعد رمزا للاحتفال، وأقيم بدلا منها مجسم فني يربط بين التاريخ ورسالة الميلاد وبين الواقع الحاضر الآن.
ويمثل المجسم الذي نفذه الفنان الفلسطيني طارق سلسع واستغرق العمل عليه 3 أسابيع، مغارة الميلاد على شكل منزل مدمر كتب عليه "الميلاد تحت الأنقاض"، وهو عبارة عن بقايا أحجار مرصوصة على الأرض ومحاطة بأسلاك شائكة، تمثل الدمار الذي لحق بقطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي.
تمثال يجسد السيدة مريم العذراء وهي تحتضن السيد المسيح عليه السلام على هيئة كفن يرمز لشهداء فلسطين (رويترز)
وتضمن العمل الفني أيضا مجسما للعائلة المقدسة وآخر للسيدة مريم العذراء وهي تحتضن السيد المسيح عليه السلام على هيئة كفن يرمز لشهداء فلسطين، وثالث لخارطة فلسطين وبداخله خارطة لغزة من الحديد المطلي باللون الرمادي الداكن".
وعلى جدار بناء قريب، وضعت لافتة كتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية. أوقفوا التهجير القسري. ارفعوا الحصار"، وأخرى كتب عليها "أجراس الميلاد في بيت لحم تدعو لوقف إطلاق النار في غزة".
أيضا تم تجسيد نجمة الميلاد التي تمثل شعارا مهما لدى المسيحيين على شكل صاروخ إسرائيلي أسقط في داخل القطاع ليقتل أكثر من 20 ألفا من الفلسطينيين أغلبهم أطفال ونساء على مدار 79 يوما.
وأظهرت المشاهد عددا قليلا من النشطاء الفلسطينيين والأطفال من مخيمات بيت لحم يقومون بحمل علم فلسطين على امتداد ساحة الكنيسة -التي تستعد لإقامة القداس هذه الليلة- وأخذ بعضهم يردد الأغاني الوطنية وأغاني أخرى تتحدث عن شهداء غزة.
وتبدأ الطوائف المسيحية التي تسير حسب التقويم الغربي احتفالاتها بعيد الميلاد بإقامة قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم.
وشهدت ساحة الكنيسة فعالية رفع خلالها العشرات من المواطنين علم فلسطين، كما أرسل أطفال بيت لحم رسالة لأقرانهم في غزة والعالم بلغات مختلفة تدعوهم للوقوف أمام مسؤولياتهم بالضغط على المجتمع الدولي لوقف العدوان على القطاع، مؤكدين حق أطفال فلسطين في العيش بحرية وكرامة وأمن وسلام، كبقية أطفال العالم.
ونقلت مواقع فلسطينية عن رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور، القس منذر إسحاق، قوله خلال الفعالية "يصعب علينا وعائلاتنا وأحبتنا الاحتفال هذا العام، وأهلنا في غزة يتعرضون لإبادة وتطهير عرقي، وإن ما يحدث في غزة حرب إبادة على الشعب الفلسطيني".
وأضاف "سنستمر بالصلاة ولن نتوقف بالابتهال والدعاء بأن ينجو أهلنا في القطاع من شر وسوء العدوان عليهم، ولنؤكد أننا موجودون هنا وهذا وطننا الذي ليس لنا وطن سواه. لو ولد المسيح اليوم، سيولد تحت الأنقاض وسيتعاطف مع أطفال غزة وفلسطين الذين يتعرضون لأبشع طرق القتل والتدمير".
وعادة ما يبدأ موسم توافد السياح والحجاج على بيت لحم مطلع سبتمبر/ أيلول من كل عام، ويبلغ ذروته في أعياد الميلاد، أي في 24 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، بإضاءة شجرة كانت توضع في ساحة الكنيسة بعلو 8 أمتار تزينها المصابيح، وهو ما لم يحدث هذا العام بسبب أحداث غزة.
وتعد كنيسة المهد المكان الديني الأقدس للمسيحيين حيث تقع على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب القدس، ويُعتقد أنها شهدت ولادة السيد المسيح، وبنيت الكنيسة عام 339 للميلاد، وأُعيد تشييدها في القرن السادس بعد حريق شب فيها.
تم إدراج الكنيسة عام 2012 كأول موقع فلسطيني ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، لكن نظرا لحالتها السيئة صنفتها المنظمة فيما بعد على قائمة المباني التراثية المهددة بالخطر.
ومطلع يوليو/ تموز 2019، رفعت اليونسكو كنيسة المهد من قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر بعد ترميم الجزء الأكبر منها.