الإنسان.. كما يكون لأبيه يكون له ابنه!
كما تدين تدان! "إنسان" كبر والده وأصبح يحتاج إلى طول بال وخدمة. فكّر وقرر: أبي أضعه في دار العجزة، أستريح من خدمته المضنية ومزاجه الحادّ! أخذه إلى دار العجزة. سنوات كبر ومرض. فكر ابنه الأكبر وقرر: أبي مرض ويحتاج إلى خدمة ومن الأفضل أن آخذه إلى دار العجزة والمسنين وأستريح! في تلك اللحظة تذكر الأبُ ما فعل بأبيه! دار العجزة والمسنّين بدار العجزة والمسنين. أخذتُ أبي هناك ثم أخذني ابني!
"إنسان" آخر قال: كيف آخذ أبي إلى دار العجزة وأنا رأيته بأم عيني يعتني بجدي - الشيخ الكبير؟ عيب عليّ إن لم أعتنِ به إذن! لا أشك أنك -القارئ الكريم- سمعت عن حكايات تعامل الزمان بالمثل، هي تتكرر كل زمان ومكان. هذه طبيعة الحياة ابني يراني أحترم أبي ويحترمني أو يراني لا أحترم أبي فلا يحترمني. الأب الذي بالأمس يرعى ويسهر ويحمل ويكدّ ويبتهج إذا لبس العيال الجديد وأكلوا وتعلموا، ويحزن إذا لم يستطع مرة واحدة أن يلبي رغبةً في نفوس الأبناء والبنات، له كل الاحترام والتقدير والبرّ.
المنظران يحدثان عندنا وفي كل العالم. ما حدث بالأمس يحدث اليوم ويحدث في الغد، والإنسان هو الإنسان منذ أن جاء فوق الأرض فيه الغرائب والعجائِب والمتناقضات! قول الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} ليس لأهل زمانٍ دون غيرهم.
في الدنيا من يحمل والديه على أكتافه كما حملَاه ويعتني بهما كما اعتنيا به وكل ذلك قليل، لأنه إنسان! يُسعد والديه ثم يسعده الأبناء ويسعده الله في الآخرة. وفي الدنيا من يحمل والديه في سيارته إلى دار المسنين والعجزة! نتائج مدعومة علميًا بدراسات اجتماعية تقول إن سلوكيات والديك هويتك اليوم، فإذا عقّ أبوك جدّك، من المحتمل أن يحصل على نصيبه من العقوق! لكن، في الدنيا عقلاء يخالفون قوانين الشيطان، فليس كل شيء قضاء وقدر. لديهم القدرة أن يقولوا: لن أفعل بأبي ما فعله بجدي. إلى هنا وكفى!
يروي الأصمعي عن رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعقّ الناس وأبر الناس. فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل، يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء من قد ملوي، يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل. فقلت له: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي. قلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت، فهكذا كان يصنع هو بأبيه، وكذا كان يصنع أبوه بجدّه. فقلت: هذا أعق الناس. ثم جلت حتى انتهيت إلى شاب في عنقه زبيل، فيه شيخ كأنه فرخ، فيضعه بين يديه في كل ساعة، فيزقه كما يزق الفرخ. فقلت له: ما هذا؟ فقال: أبي، وقد خرف، فأنا أكفله. قلت: فهذا أبر العرب!