تقارير «البيان»: «منحة من رحم المحنة».. احتفاء بولادة أطفال وسط «الحرب»


صبي يرفع علامة النصر مع وصول سكان مخيم البريج للاجئين إلى دير البلح في وسط غزة | أ ف ب

مع كل ضحية ترسل إلى ثلاجة الموتى، هناك مخاض لأكثر من ولادة، فالحياة تسابق الموت في غزة، والنازحون المشردون الذين جاءوا إلى مراكز الإيواء من كل حدب وصوب «يحتفلون» بالولادة في أتون الموت.
إنجابفي غزة تتبادل الأرواح وتتآلف، الأحياء ينوبون عن الأموات، كل سيدة مشغولة بتجديد صباها من خلال صغارها، تدفن أبناءها وتنجبهم في اللحظة ذاتها، تتحرك من مقبرة إلى مخاض، تراها قطرة حليب لطفل يولد في وجه دبابة تربض على أبواب المستشفى.
وقد لا يتخطى المواليد في الحرب أعداد الضحايا، لكن في غزة رغم الحرب يولد الحب واليقين والأمل، كما يولد طفل في سرير طفل آخر، يشرب حليبه، ويواصل عمره بدلاً منه، ويواصل السير إلى غده بين قذيفة وأختها.
وتواجه آلاف الحوامل في مراكز النازحين تحديات الحرب، خصوصاً لجهة صعوبة وصول الخدمات الطبية، والنقص الحاد في الطعام والشراب والأكسجين وإمدادات الطاقة، فكيف تلد الغزيات في أتون الحرب؟ هذا السؤال يبقى الأكثر شيوعاً.
وفي شهادة للصحافي عادل الزعنون، فإن إحدى السيدات النازحات الحوامل، أنهكتها مشقة النزوح، فنزلت اضطرارياً في خيمة الصحافيين لأخذ قسط من الراحة، ولأنها أرادت أن لا تلد في الخيمة، ونظراً لصعوبة وصول القابلات أو الأطقم الطبية، اضطرت للمشي مسافة أخرى، مبيناً أن الولادة في زمن الحرب أصبحت أشبه بـ«القيصرية».
ويوضح المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة، أن النساء الحوامل تعرضن خلال الحرب، لمشكلات صحية كثيرة، نتيجة للتوتر الناتج عن القصف والنزوح، علاوة على نقص الطعام والشراب، ما أصاب غالبيتهن بالجفاف، ناهيك عن النزيف الناتج عن الإرهاق والتعب بعد المشي لمسافات طويلة.
وحسب مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، فإن ما يزيد على 50 ألف امرأة حامل في القطاع، واجهن تحديات الولادة في ظل الحرب، حيث لا مستشفيات تعمل بطاقتها، ولا كوادر طبية بإمكانها الوصول إلى مراكز النزوح، وخروج مستشفيات الولادة تحديداً عن الخدمة، وكل هذه الأمور نتج عنها حالات إجهاض، وفي أحيان أخرى وفيات لأمهات أو أطفال، على حد سواء.
وتصف المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ناتاليا كانيم، ولادة النساء الغزيات في ظل الحرب، بأنها غير آمنة تحت القصف، وتفتقر للحد الأدنى من الرعاية، والحصول على الماء والغذاء، مبينة: «ظروف الحوامل في قطاع غزة في غاية الخطورة».
وقالت ناتاليا في شهادتها إن سيدة حامل في مدينة غزة، أوشكت أن تضع جنينها بين أنقاض المنازل المدمرة، وأثناء سقوط القذائف، وكادت أن تفقد حياتها، بسبب الرعب والتعب الذي أصابها، وبعد ولادتها في مستشفى الشفاء بساعات، اضطرت لإخلاء مكانها بسبب تزايد أعداد الجرحى الوافدين.
وفي شهادة للفلسطينية هلا السميري (30) عاماً، تقول: «نزحت مع عائلتي من خان يونس، بعد تعرض المنطقة لقصف شديد، مسافة طويلة لعدم توفر المواصلات، وما أن نزلنا بمدرسة لوكالة غوث في جنوب غزة، حتى شعرت بألم المخاض، نقلني الأهل إلى أحد المستشفيات القريبة، ووضعت طفلتي بعملية قيصرية».
ومضت السميري: «المعاناة تستمر لما بعد الولادة، فلا طعام سوى التمر، ولا شراب سوى المياه المالحة، والأطفال يعانون الجفاف بسبب نقص الحليب، لا مكان هادئ، والرعاية مفقودة.. الولادة في الحرب أصبحت كابوساً مرعباً»، لكنها بلسم لجرح فقدان عدد من أطفال غزة.