بدأ عصر "التأثير البشري القمري" مع هبوط البشر عليه، ويتفاقم الآن مع تنافس الدول على استيطانه واستثمار موارده (ناسا)"حقبة التأثير البشري" أو "الأنثروبوسين".. اصطلاحان يستخدمان للدلالة على عصر جيولوجي مقترح يعود تاريخه إلى بداية التأثير البشري الكبير على جيولوجيا الأرض ونظمها البيئية، فقد تسبب وجودُ الإنسان وانتشاره بتغيرات واضحة في التركيب الكيميائي للغلاف الجوي والمحيطات والتربة.
وإلى جانب ذلك، دفع النشاط البشري في الأرض إلى تغير المناخ، الأمر الذي قاد بدوره إلى حالة واسعة من الانقراض لصور الحياة بمعدلات أكبر بآلاف المرات من المتوسط، وهو ما يشير إليه العلماء باسم "الاتقراض السادس"، وعلى خلاف الانقراضات الخمسة السالفة التي كانت طبيعية، فإن هذا الانقراض كان مدفوعا بنشاط البشر.
ويقترح فريق من الباحثين أن حقبة التأثير البشري (الأنثروبوسين) بدأت مع بداية ثورة العصر الحجري الحديث منذ 12 ألفا إلى 15 ألف سنة مضت، لكن الخلاف مازال مستمرا بين الباحثين بشأن هذا الأمر.
بيئة القمر ليست ثابتة كما كان يُظن سابقا، والإنسان بات هو القوة المهيمنة عليها (ناسا)
الأنثروبوسين القمري
ويتساءل فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة كنساس الأميركية عن إمكانية تطبيق نفس الاصطلاح على القمر، لنحصل على حقبة التأثير البشري القمري أو الأنثروبوسين القمري، الذي بدأ بحسب دراسة جديدة نشرت في دورية "نيتشر جيوساينس" مع إثارة أول غبار قمري في 13 سبتمبر/أيلول 1959، عندما هبطت المركبة الفضائية غير المأهولة التابعة للاتحاد السوفياتي لونا 2 على سطح القمر. وفي العقود التالية لهذا التاريخ، هبط عدد من البشر وأكثر من 100 مركبة بشرية الصنع على سطح القمر، سواء هبطت بأمان أو تحطمت تماما.
وبحسب الدراسة، فإنه يجب على العلماء التفكير في أن بيئة القمر ليست ثابتة كما كان يُظن سابقًا، وأن الإنسان بات بالفعل هو القوة المهيمنة على البيئة القمرية، وأنه يؤثر فيها بقوة، وأول تلك الآثار هو عملية تحريك الثرى القمري، والتي كانت تتم سابقا عبر ضربات النيازك، أما الآن فإن المركبات البشرية هي التي تفعل ذلك.
وبات القمر بالفعل يحتوي على كمّ كبير من نفايات البعثات البشرية إلى القمر، مثل مكونات المركبات الفضائية المهملة والمهجورة وأكياس الفضلات البشرية والمعدات العلمية، وغيرها من الأشياء مثل الأعلام وكرات الغولف والصور الفوتوغرافية والنصوص الدينية.
القمر يخضع لـ"معاهدة الفضاء الخارجي" في الستينيات و"اتفاقية القمر" في السبعينيات (ناسا)
مستقبل محفوف بالمخاطر
الأهم مما سبق بحسب بيان صحفي رسمي من جامعة كنساس، هو الآثار المتوقعة في المستقبَلين القريب والبعيد، حيث تعتزم العديد من الدول الهبوط على القمر لدراسة سطحه. ومع انخفاض كلفة السفر أو توصيل الحمولات إلى الفضاء، فإن ذلك أصبح أسهل من أي وقت سابق.
وسيؤدي ذلك إلى المزيد من وجود البشر وأدواتهم على سطح القمر، خاصة وأن هناك آمالا لدى كثير من الدول في استخراج بعض الموارد القمرية لتحقيق فائدة اقتصادية، كما أن دولا مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية تعمل على إقامة محطات قمرية دائمة خلال عقد من الزمن، بالإضافة إلى نطاق سياحة الفضاء الذي يزدهر يوما بعد يوم.
ويأتي ذلك كله في سياق هام يتعلق بملكية القمر، فالقمر يخضع لـ"معاهدة الفضاء الخارجي" في الستينيات، و"اتفاقية القمر" في السبعينيات والتي تدافع عن القمر وجميع الأجرام الفضائية الأخرى باعتبارها ملكا للجنس البشري بأكمله، لكن هذه الاتفاقيات ضبابية ولا تضع حدودا لاستخدام القمر لأي غرض، سواء أكان علميا أم اقتصاديا.
وبحسب الدراسة، فإنه يجب البدء برصد هذه المشكلات من الآن والتعامل معها، قبل أن يتفاقم الأثر السلبي للإنسان على القمر ويأتي يوم يكون قد سبق فيه السيف العذل، مثلما يحدث على الأرض الآن.
ويقترح هذا الفريق أنه على البعثات القمرية المستقبلية أن تفكر على الأقل في تخفيف التأثيرات الضارة على البيئة القمرية، إلى حين تطوير منظومة قانونية تحمي القمر من أثر الإنسان الضار.