أشياء في مائدة الأمس ليست في مائدة اليوم!
أشهى، أمتع، أصحّ، أنظف، أقل كلفة! هكذا توصف سُفرة -مائدة- الزمن القديم مقارنة بسفرة الوقت الحاضر. لمّة العائلة على طعامٍ واحد أعدته أمّ، أعطيناها مقاولةً للمطاعم على اختلاف أنواعها؛ من سُفرة واحدة إلى سُفر متعددة، من عشاءٍ مبكر إلى عشاءٍ بعد نصف الليل، ثم نشتكي من قلة الصحة والبركة! من طعامٍ قليل التعقيد ويناسب ميزانيةَ الأسرة إلى طعام معقد وينهك ميزانية الأسرة!
عادات تبدو عاديّة جدًّا! ما الضرر أن نأكل فرادى؟ ما الضرر أن نأكل كميات كبيرة؟ ما الضرر عندما يكون الغذاء سيئًا؟ الضرر لا يظهر دفعةً واحدة. العادات الجيدة لا تختفي دفعةً واحدة وآثار العادات السيئة لا تظهر في المجتمع دفعة واحدة، إنما في تحولات تمتد لسنوات حتى يظهر تأثيرها. عادات جميلة ومفيدة، عوضًا عن أن نطورها لما هو أجمل هدمناها وصرنا نعاني تبعات هدمها!
وقت ممتع، وقت السفرة قديمًا! كنا، الإخوة والأب -مجموعة الذكور- نجلس فوق الأرض على سُفرةٍ واحدة مصنوعة من خوص النخل، نأكل في وقتٍ واحد. يدور الكلام بين الحاضرين في موضوعات شتى! الآن، إلا في وقت الأعياد والمناسبات الكبرى، نأكل منفردين ومنشغلين بشيء آخر غير الأكل والحديث. نأكل فرادى على عجل!
من المشاهد التي نفتقدها؛ نداء الأمهات ساعة جاهزية الطعام: هاتوا السفرة. ثمّ مماحكات الإخوة؛ أنتَ هاتِ السفرة وأنتَ ارفع السفرة وأنتَ نظّف السفرة! هذا الجيل -أو أغلبه- لم يشهد شيئًا منها. لم يشهد المائدة طبقًا واحدًا من الأرز وشيئًا من الإدام لا غير. إنما الحمد لله، يشهد وفرة في الطعام، عليه أن يشكر الله ويحافظ على نعمه.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أطيلوا الجلوسَ على الموائد فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم". ساعة بهجة وسرور! خسرنا عادات الأكل الصحية، خسرنا مهارات الاتصال والتواصل الأسري وربحنا زيادة الوزن والسمنة. ترى طفلًا في غاية الرشاقة ثم بعد مدة ازداد وزنه زيادة مفرطة ولا يزال في سنوات الطفولة.
قد يكون تناول وجبات الطعام معًا هو الوقت الأمثل للتربية! لماذا نغفل عن بضع دقائق كل يوم لإيقاف الشاشات والتواصل الحقيقي مع بعضنا، نأكل ونحسن صحتنا البدنية والعقلية لجميع أفراد الأسرة المعنيين. الدليل جاء به الدينُ قبل أن يأتي من الدراسات العلمية الحديثة، وهذا من البديع أيضًا!
زاد الطين بِلة أخذنا من الثقافات الأجنبية في الغذاء؛ الغذاء الكثير الأصناف والسريع الطهي والسيء، فماذا يمكن أن يحصل؟ بما أننا لسنا قادرين على إصلاح منظومة الغذاء كاملة، أقلها نضفي على الأكل المتعة والأكلَ جماعة قدر ما نستطيع. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الطعام إذا جمع ثلاثَ خصالٍ فقد تم: إذا كان من حلال، وكثرت الأيدي عليه، وسُمي في أوله، وحمد الله في آخره".