خاطب يسوع أخصّائه عن الكراهية والاضطهاد اللذين سيُلحقهما الشيطان بأتْباع يسوع المسيح. ستُسفك الدماء، وبعماهم وجهلهم، سيظنّ الناس بأنّه بواسطة كراهية خاصّة الله هم يخدِمون الله. وهناك إشارة إلى ذلك في كلمات يسوع، ”ما قلت لكم من البداءة لأنّي كنت معكم“ (يوحنّا ١٦: ٤)
يسوع ذاهبٌ بعيدًا، تاركًا خاصّتَه في العالَم، عارفًا أفضلَ من أيّ شخص آخرَ ما في العالَم من ظلام وإلحاد. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يعِدُهم بأنّ الكنيسة لن تُترَك لوحدها، إذ أنّها ستحظى بعون الروح القدس وحمايته، روح الله النشطة والحيّة سوف توجّه الكنيسة التي تعاني، إلى الحقّ كلّه (يوحنّا ١٦: ١٣).
وَفقًا للآية الثامنة فإنّ الروح القدُسَ سيُوبّخ العالَم أمامَ الله القدّوس، سيُدان العالَم عندما يُظهر الروح القدُس الحقيقةَ بشأن الخطيئة والبِرّ والدينونة. ثمّ في وسط الاضطهاد، بعض الناس، على الأقلّ، الذين يعيشون في الرضا السائد في العالَم سيغيّرون موقفهم ويُدركون (١) أنّ الخطيئة ليست مجرّد شيء ما، إنّها تعني أنّ الإنسان يرفُض شخصيًّا صليبَ يسوع؛ (٢) أنّ يسوعَ لم يكن خاطئًا يجدّف على الله، بل هو ابن الله البارّ الذي عاد إلى أبيه؛ و (٣) كما تغلّب ٱبنُ الله على الصليب فقد أُدين الشيطانُ وفَقد سلطَته وقوّته. وهكذا يرشدُنا الروح القُدس إلى يسوعَ المسيح ويمجِّد عمله.
التعليم عن عمل الروح القُدس يُشكّل بَندًا عزيزًا غاليًا وهامًّا في إيماننا نحن اللوثريين. هنالك فِرق دينية، فيها كلُّ شيء يعتمد في نهاية المطاف على أداء المرء وجهده: المطلوب منَ الإنسان هو اتّخاذ قرار الإيمان، والمقدرة على الثبات والبقاء مع الله. في شرح البَند الثالث من الإيمان، يعترف المسيحي اللوثريُّ، ”وأعتقد أنّني لا أستطيع بعقلي وبقوّتي أن أومنَ بيسوعَ المسيح، ربّي، أو أن آتيَ إليه؛ ولكنّ الروحَ القدُس دعاني بالإنجيل“.
بهذا القول أو البيان لا أرمي إلى رفض دعوة الله بغطرسة، بل بالعكس، إنّي أعترف بكلّ تواضع بأنّني لا أملِك القوّة لأُصبح مؤمنًا، أو أن أصمُد في الإيمان الصحيح، حتّى ليوم واحد، إذا كان الله لن يُبقيني كخاصّته بروحه. هذا هو المكان الذي يجد فيه الإنسان الضعيفُ الراحة والاطمئنان.
وهناك قضية أخرى تُجزّىء كنيسة المسيح، تبرُز في نهاية القطعة. في الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية بخاصّة، تُفهم الآيتان ١٢-١٣ تقليديًا على أنّهما تعنيان أنّ وحيَ الله لم ينتهِ في زمن الرُّسل، ولكنّ الكنيسة - أو الجمعية العامّة، وَفْقًا لبعض الكاثوليك؛ أو التسلسل الهرمي للكنيسة الكاثوليكية، بحسب الآخرين؛ أو، في نهاية المطاف، البابا - قادر على اتّخاذ قرارات جديدة بتوجيهٍ من الروح القدس وإرشاده.
تؤكّد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية أنّ قرارًا منَ المجلس المسكوني يكون مُلزِمًا للكنيسة كلّها. في الكنيسة اللوثرية، أصبح من الشائع التفكير بأنّ الروح القدُس سيقود المجمع (السينودُس) العامّ بشكل يجعل مشيئة الله تتجسّد بكلّ ما في الكلمة من معنى، حتّى عندما يكون قرار المجمع العامّ غيرَ منسجمٍ مع تعاليم الكتاب المقدس. نفس الرأي، ولكن في شكل آخرَ، يمثّله أولئك الذين يعتقدون أنّ الروح القُدس، سيتحدّث مباشرة وبصراحة إلى قلوبهم، وسيُرشد الأفراد المسيحيين، بغضّ النظر عن الكتاب المقدّس، وإذا لزِم الأمر، توجيههم إلى اعتماد حلول جديدة في مثل هذه القضايا أيضًا التي تحظُرها كلمة الله، على سبيل المثال، في الحصول على الطلاق والزواج مرّة أخرى.
ويستند الإيمان اللوثريُّ على الحقيقة القائلة إنّ كلمةَ الله معصومةٌ من الخطأ وتقدّم توجيهًا كافيًا للكنيسة وللفرد المسيحي على حدٍّ سَواء. وقد أظهر تاريخ الكنيسة أنّ الكهنة والأساقفةَ والمجامع الكنسية (السينودُسات) العامّة تُخطىء بنفس القدر الموجود لدى الأفراد المسيحيين. كلمة الله وحدها سوف تصمُد، لا تهتزّ ولا تتزعزع.
وقدِ ٱمتثلتِ المجالس (السينودُسات) العامّة، في غضون اتّخاذ القرارات، للرأي العامّ. وَفْقًا لإيماننا، فإنّ الروح القُدس قد تكلّم في الكتاب المقدّس، والروح القُدس لن يناقض نفسه. وهذا هو السبب الذي يجعلُنا بحاجة لتعلّم قَبول ما يعلّمنا الكتاب المقدّس، وكذلك الحرص على عدم الوقوع في دروب أيّ من هذا الروح الذي قد يأخُذنا بعيدًا عن تعاليم الكتاب المقدّس.
كلمات يسوعَ التي نناقشها الآنَ تشير إلى أنّ روح قدُس الله يعمل في وسط الكنيسة المضطهَدة، ويُدين العالمَ على الخطيئة والبِرّ والدينونة. وبالتأكيد، الروح القُدس لن يوجّهَنا لتجاهل كلمات يسوع وإغفالها (أُنظر ١٥: ١٠!).