نحن من يكتب رواية حياته.. لماذا لا نكتب أجمل رواية؟
البقاء والدوام لله، متّ أطال الله أعماركم. صار عنواني في سجلّ الأحوال المدنية "متوفى". يا لها من ساعة! ركض وجري ثم وجدتُ نفسي في حفرة. النّاس من فوق الحفرة يتكلمون ويضحكون، أما أنا فرأيتُ شيئًا عجيبًا! ملائكة، قالوا لي: خذ هذه رواية حياتك اقرأها أنتَ من كتبها. قلت لهم: أنا لم أكتب روايات ولا هم يحزنون، ولا في عمري كتبت روايةً واحدةً، ولا كتابًا واحدًا! حاولت أن أصرخ وأستعين بالواقفينَ على قبري، لكن لم يسمعوني، ذهبوا في شأنهم وتركوني!
أخذتُ الرواية فإذا هي كتاب بعدد أيام حياتي. قرأتُ أشياءً نسيتها وأشياءً تذكرتها! أشياء كثيرة مثل الزفت الأسود وأشياء قليلة جميلة. غريبة جدًّا هذه الرواية، ما تركت ولا لحظة من حياتي، كل عَمْلة سوداء وبيضاء سجلتها! قلتُ في نفسي كيف لم أكتب رواية أجمل من هذه الرواية الزفت؟ كيف غلب السوادُ البياض؟
روايات حياتنا نأخذها على ثلاثة أشكال؛ الأول يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}! يَكاد يطير من شدة فرحته؛ نجحت، تعالوا وانظروا إلى نعمة الله عليّ. وثانٍ يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}، ليتكم لم تعطوني هذا الكتاب الأسود. وثالث: {أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} مسكين، خجلان يخبئ رواية حياته وراء ظهره من الخجل.
السؤال هو: نرى كل يوم ونسمع ونقرأ عن ميت أو أكثر ونعرف أن حياتنا كتابًا - أو رواية - نكتبها بأيدينا ونقرأها بعد الموت فلماذا نكتب أسوأ رواية في حين أنه بإمكاننا كتابة رواية أفضل؟ كيف يكون الإنسان شريرًا ويعلم أن النّاس سوف يحكون قصة حياته بعد موته، إما: الحمد لله خلصنا من شره، أو: كم يعزّ علينا فقده وغيابه؟
الرائع أن الله رحيم؛ كل صباح نستطيع أن نمحو أجزاءً وفصولًا سيئة ونبدأ فصولًا جيدة. يوجد "مِمسَحة" اسمها "توبة" وهي عبارة عن ندم على يوم أمس والبدء في يوم جديد! عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود النبي على نبينا وآله وعليه السلام: يا داود إن عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبًا، ثم رجع وتاب من ذلك الذنب واستحيا مني عند ذكره، غفرت له وأنسيته الحفظة، وأبدلته الحسنة، ولا أبالي وأنا أرحم الراحمين".
ما أجملك يا رب حين نهيتَ عن اليأس والقنوط من روحك ورحمتك وعددته من كبائر الذنوب! أما عن الناس فهم أيضًا يسامحون؛ ذاكرتهم لا تدوم طويلًا. في الغالب يتذكرون الأفعال الجميلة:
وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثًا حسنًا لمن وعى
يُصبح الإنسان أشرّ من الذئب عندما لا يؤمن بذلك الكتاب، فيتخيل أنه أصبح حرًّا يفعل ما يشاء!
عَوى الذِئبُ فَاستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى ** وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطيرُ
يَرى اللَهُ إِنّي لِلأَنيسِ لَكارِهٌ ** وَتُبغِضُهُم لي مُقلَةٌ وَضَميرُ