كان احد الاساتذة الكبار في علم الاجتماع من الاغنياء المعروفين، كان ينكر قانون الوراثة، ويصر على مقولة: ان الوراثة لا دخل لها في صياغة شخصية الإنسان، ويرى أن كل ما يقوله العلماء في هذا المجال إنما هو خرافة لا دليل عليها، وكان له ولد يخالفه في الرأي، فأراد ان يبطل حجته بطريقة هادئة، فتظاهر انه يريد الزواج من بنت الحائك الفلاني، وعرض الامر على ابيه، فاستشاط الاب غضبا، وقال: ما نفعل لو أنجبت لك ولدا حائكاً؟ فقال له الابن: ألم تقل لي وللناس إن الوراثة كذبة وليست حقيقية؟ قال: نعم، هكذا أرى، ولكنني لا أجازف في ذلك.
وما ذلك الا لان عقله معترف بقانون الوراثة ولكنه مكابر في انكاره، وهكذا حال منكري التقليد: فلو مرض احدهم وقيل له: تعال الى النجار ليجري لك عملية جراحية، ولا تذهب الى الطبيب الجراح، ماذا سيكون رده؟ الا يرى ان هذا الكلام ضرباَ من الهذيان ونوعاً من الجنون، وتسفيهاً للعقول؟
ان العقل حاكم بوجود رجوع الجاهل الى العالم المتخصص في القضايا المهمة، والتي قد يؤدي الإخلال بها إلى تعرض المكلف إلى الضرر المحتمل، وهذا حكم عام يشمل جميع القضايا المهمة، والرجوع الى الفقيه العالم احد مصاديقه، فيجب على المكلف الجاهل الرجوع الى الفقيه العالم.
وتفصيل الكلام يتم عبر بيان بعض النقاط الاتية:
1. إن الله تعالى خلق الخلق لغاية، ولولا تلك الغاية لكان إيجاد الخلق عبثاَ، والله تعالى منزه عن العبث، فلا بد من وجود غاية للخلق عموما وللإنسان على وجه الخصوص، وهذه المقدمة ثابتة لم نختلف فيها.
2. ان الله بين الغاية التي خلق الانسان من أجلها، قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾(1) فالعبادة هي غاية خلق الانسان بصريح الاية القرآنية المباركة، فتكون عبادة الله واجبة، وهذه المقدمة قطعية ولا اعتراض عليها.
3. ان عبادة الله تعالى التي ثبت وجوبها في المقدمة السابقة لا تتحقق بأي نحو كان، بمعنى أن للعبادة كيفية خاصة وشرائط محددة، فمن خالف تلك الكيفية وتلك الشرائط وأراد أن يعبد الله بطريقته الخاصة لا يعد ممتثلاً لعبادة الله تعالى، وهذا واضح لا يحتاج الى دليل.
4. ان من لم يعبد الله تعالى بالكيفية التي أمر الله تعالى بها، وبالشرائط التي حددها وبينها، لا يعد ممتثلاَ لعبادة الله تعالى، وغير الممتثل يستحق العقوبة.
5. ان الطرق المطروحة لتحقيق الغاية التي خلق الانسان من أجلها، وهي العبادة بشرائطها المنصوصة والمحددة بالشريعة، وهي اربعة:
الطريق الاول: الاجتهاد
ان يدرس المكلف الادلة الشرعية فيصل الى رتبة الاختصاص (الاجتهاد) ويستنبط الاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية بالطريقة المعمول بها عند الفقهاء، وهذا هو المجتهد الذي لا اشكال في عبادته.
الطريق الثاني: التعبد العشوائي
ان يأتي المكلف العامي بعبادته من دون علم، وهذا يوقعه في مخالفة الكثير من الاحكام الشرعية قطعاً، ونتيجة ذلك استحقاق العقوبة يقيناً.
الطريق الثالث: العمل بالاحتياط
ان يكون المكلف بمستوى من العلم، بحيث يمكنه معرفة الايات والروايات الموجودة او الاراء المطروحة في كل المسائل المختلف فيها فيعمل بأحوطها واقربها للواقع، وهذا هو المحتاط ولا اشكال في عبادته.
الطريق الرابع: التقليد
اذا لم يكن المكلف قادرا على الاجتهاد وليس بمقدوره ان يعمل بالاحتياط، فيرجع الى الفقهاء الذين هم أهل الاختصاص وأعلم الناس بشؤون الشريعة وأقدرهم على تشخيص الحلال والحرام، لأنهم ورثة الانبياء وحملة علمهم.
المصادر1. سورة الذاريات، اية ٥٦