بسم الله الرحمن الرحيم
فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ ۞ فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ۞ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ ۞
صدق الله العلي العظيم (1)
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين محمد واله الهداة الميامين، الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لان ان هدانا الله ﷻ
ان من المواضيع الغيبية التي يهتم بها الانسان المسلم كثير وحتى اصحاب الديانات الاخرى، الكل مؤمن بوجود حياة بعد الموت، وذكرت الايات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة ان من بين المواضيع الغيبية موضوع (الصراط المستقيم) وهو شيء ما يفصل بين الانسان والجنة فمن جاوز هذا الشيء دخل الجنة ومن لم يجاوزه سقط في نار العذاب، ونحن هنا لسنا بصدد نتحدث عن الصراط لان التفاسير كثير ومتعددة والانسان ما عليه سوى الايمان فقط فلا يسأل عن شكل الصراط؟ وكيف يكون؟ وهل هو دقيق؟ لان لا يوجد انسان ذهب الى عالم الاخرة ومن ثم رجع لنا ليخبرنا وهذا محال الا ان من الذين اطلعوا على غيب السماوات والارض والافلاك ارسلهم الله لنا ليحذروننا عن هذا عالم اخر ينتظرنا وهم الانبياء واهل البيت النبوة عليهم افضل السلام والصلاة.
المرصاد
المرصاد - يعني مكان يرصد به ويراقب، هو لك بالمرصاد يعني يراقبك
الايات الكريمة التي دلت عليه
- ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ﴾ (2)
- ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا﴾ (3)
- ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ (4)
- ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا﴾ (5)
- ﴿إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا﴾ (6)
الاحاديث الكريمة التي دلت عليه
- عن أبي جعفر الباقر “ع” قال: لما نزلت هذه الآية ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ سئل عن ذلك رسول الله، فقال: أخبرني الروح الأمين: أن الله لا إله غيره إذا جمع الأولين والآخرين أتى بجهنم… لها هَدَّة وتغيظ، وزفير، وأنها لتزفر الزفرة، فلولا أن الله عزّوجلّ أخَرّهم إلى الحساب لأهلكت الجمع، ثم يخرج منها عنق يحيط الخلائق: البر منهم والفاجر، فما خلق الله عزّوجلّ عبداً من عباده، ملكاً، ولا نبياً إلا نادى: رب نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي أمتي أمتي، ثم يوضع عليها صراط أدق من حد السيف، عليه ثلاث قناطر، أما واحدة فعليها الأمانة والرحم، وأما الأُخرى فعليها الصلاة، وأما الأخرى فعليها عدل رب العالمين لا اله غيره، فيكلفون الممر عليه فتحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين، جلّ وعز، وهو قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} والناس على الصراط فمتعلق، وقدم تزل، وقد تستمسك، والملائكة حولهم ينادون: يا حليم إغفر، واصفح، وعد بفضلك وسلّم، سلّم، والناس يتهافتون فيها كالفراش، وإذا نجا ناج برحمة الله عزّوجلّ نظر إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد إياس بمنه وفضله، ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (7)
- عن إبن عباس في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} قال: إن على جسر جهنم سبع محابس، يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا اله إلا الله، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامة، جاز إلى الثالث، فيسأل عن الزكاة، فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج، فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة، فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم، فإن خرج منها وإلا يقال: انظروا، فإن كان له تطوع أكمل به أعماله، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة (8)
- عن أبي عبد الله “ع”، في قوله عزّوجلّ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة (9)
- قال أبو ذر (رض): سمعت رسول الله “ص” يقول: حافتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مرَّ الوصول لرحمة، المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة، وإذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعهما معهما عمل، وتَكَفَّأ به الصراط في النار
فإذن هناك عقبات على الصراط يوم القيامة بأسماء الفروض والأحكام وحدود الله، مثل عقبة الصلاة، وعقبة الصوم، وعقبة الجهاد، وعقبة الحج، وعقبة الأمانة، وعقبة الرحم، وعقبة الغيبة، وعقبة الكذب وما إلى ذلك من الفروض والأحكام والحدود الإلهية، فمن إجتاز هذه العقبات، واقتحمها في الدنيا إقتحمها في الآخرة.
يقول تعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ۞ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۞ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۞ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (11)
والقرآن يُحرّض المؤمنين على إقتحام هذه العقبات وتجاوزها وهي الحائلة في الدنيا بينهم وبين مرضاة الله تعالى، فمن إقتحمها بلغ مرضاة الله، ومن وقف دونها حجب عن مرضاة الله، وكذلك هي في الآخرة حائلة بينهم وبين الجنة فمن إقتحمها بلغ الجنة، ومن حبس دونها حجب عن الجنة.
وعقبة المرصاد أعظم هذه العقبات جميعاً، فإن ربك لبالمرصادفهو سبحانه وتعالى في موقع الرصد لعباده، يرصد من قلوب عباده ونياتهم ما لا يرصده غيره، وطبيعة (الرصد) أن يرى (الراصد) المرصود، ويراقبه من حيث لا يراه المرصود، وأن يهيمن الراصد على المرصود.
والله تعالى يرصد ويرقب من أعمال الناس ونياتهم مالا يرصده الناس ولا الملائكة، فإن الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (12). {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}(13). {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (14)
1. سورة الفجر، اية ١٢، ١٣، ١٤
المصادر
2. سورة الفجر، اية ١٤
3. سورة النبأ، اية ٢١
4. سورة التوبة، اية ٥
5. سورة الجن، اية ٩
6. سورة الجن، اية ٢٧
7. بحار الانوار ج٧، ص١٢٥
8. بحار الانوار ج٨، ص٦٤
9. بحار الانوار ج٨، ص٦٦
10. بحار الانوار ج٨، ص٦٧
11. سورة البلد، اية ١١ - ١٦
12. سورة غافر، اية ١٩
13. سورة الانفال، اية ٢٤
14. سورة طه، اية ٧
15. سورة الشعراء، اية ٨٩