ما بين نون النسوة وتاء التأنيث حكاية!
ساعتي تميل عقاربها إلى الوقوف في الوسط! وسط هدوء وسكون رهيب، أعجز عن البوح والساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الحلم! وقدري الذي أرغمني هذه الليلة على أن أكتب هنا كي أمضي هكذا دون أن أشعر أن فصل الخريف قد حل بغير أوانه.
لعلي أكتب بلا ذاكرة في ذات لا تليق بشيء! وأرتشف من كوب قهوتي وحافة الليل مازال يسترد نجومه نحو السكون، حينما غفوت إغفاءة باغتتني امتدت قرابة الساعة من الزمن! حينها تمنيت أن أحلم بالغيرة بالغرور بالحسد وبالنفاق الاجتماعي وبالظلم! لعل جميعها تخرج من الأرواح والقلوب مطأطئة الرأس منتكسة مهزومة!
ما أكثر الحكايا التي تحتاج إلى التخلي عن أقنعتها! ولكن من المفيد أحيانًا أن ندع شفاه الزمن تروي بعض الحكايا! ويؤسفني اختلاط المفاهيم وقبول البعض بها، حيث الكثير من تلك المفاهيم ربما تحتاج إلى التمعن في جدواها قبل فوات الأوان! سيكون محتوى هذا النص ثلاث حكايات متباينة ولكن الحكاية الأولى هي محاربة التطرف الأخلاقي والإنساني! يا ترى ماذا يحدث للبشر! وإلى أين نسير؟! يتسلل التساؤل إلى دمي ويظهر بين سطور هذا النص! لقد اعتبرت محتوى الحكاية الأولى حدثًا أخلاقيًا كارثيًا بالدرجة الأولى، وأنا أحاول رؤية العالم من خلال الغير.
قرأت ذات حين، وأردت أن يعيش القارئ ما عشته من إحساس، حيث يعمل عقل المرء في أغلب الأحيان! عندما تتغير منزلتنا فقط، القليل جدًا يتذكر ما كانت حياتنا قبل ذلك بكل معايير الإنسانية! كانت هناك فتاة فاقدة البصر، كرهت نفسها لكونها عمياء، وكرهت كل شخص في الكون، ما عدا حبيبها المحب، وهو الذي كان دائمًا بقربها، أخبرت الفتاة حبيبها: فقط إذا تمكنت أن أرى العالم فسأتزوجك، في أحد الأيام تبرع شخص ما بزوج من العيون لتلك الفتاة، وعندما تم إزالة الضمادات، أصبحت الفتاة قادرة على رؤية كل شيء بما في ذلك حبيبها! حيث سألها: (الآن بما إنك قادرة أن تشاهدي العالم، فهل ستتزوجيني؟) نظرت الفتاة إلى حبيبها وكانت مفاجأة لها، أنه كان أعمى وجفونه المغلقة صدمتها، وهي التي ما كانت تتوقع ذلك، وفكرت بأنها ستقضي بقية حياتها إلى جواره على هكذا حال، مما دفعها لرفض الزواج به! تركها باكيًا وبعد أيام كتب لها ملاحظة: رجاء اعتني كثيرًا بعينيك يا حبيبتي، فقد كانتا عيناي من قبل.
أبكتني صدقًا هذه الحكاية، وفي داخلي حنين إلى كل ما هو نبيل لو تأملنا النبل ذاته! وما أكثر التبلد الذي تضفيه الأيام علينا لو سمحنا لها! وهنا هل أستطيع الاعتراض على ما يكبت المشاعر! هذه قناعتي في أن همومي ليست ذاتية، إنما هي هموم البعض من الموجوعين. هذه الأحاسيس تذكرني بقول العظيم جيفارا: "إن أي صفعة تطال إنسانًا في العالم أشعر أنها على وجهي". نعم العلاقات الإنسانية النقية هي أجمل شيء. أحيانًا نعجز عن التعبير عن عمق المشاعر الإنسانية المخلصة، وانطباع جميل نتركه في قلب أحدهم هو بحد ذاته هبة كبيرة من السماء.
ذات مرة، أوهمت مسافرة إنجليزية بهنديتي وبشرتي السمراء تساعدني على هذا الانتماء! بعد أن شعرت بتلك السيدة أنها تضمر كرهًا شديدًا للعرب، تنكرت بهنديتي وفعلتي هذه ليست جرمًا أو عيبًا، إنه لأمر طبيعي أن يكون المرء هنديًا، ومن خلال تعاملي معهم أثناء عملي بأرامكو، أدركت أن الهنود محترمون وأصحاب حضارة ونزاهة، وأنا لست أفضل منهم بشيء، السيدة الإنجليزية التي تبدو متقدمة ومتحضرة طيبة للوهلة الأولى، بعد أن اطمأنت لحيادتي ولهنديتي تحديدًا، مضت تدلق أمامي كراهيتها للأقوام وتفرز سمومًا عنصرية! ومن الإنصاف أقول ما أجملكم أيها الهنود! حيث أدركت أن تلك الإنجليزية تنتمي لكل الشعوب، ولكنها تكره العرب والمسلمين، وهنا أتساءل كيف نقنع تلك الإنجليزية أو غيرها بأننا نحن العرب والمسلمين حمام سلام نحو سماء الكون؟!
ذات قدر وسعادة، التقيتها في منزلي صدفة وكانت خيرًا من ألف ميعاد! يمكن أن يجمتع الإنسان بشخصية من النوع الرفيع، كنت في قمة الفضول على غير عادتي! أن أتعرف على إنسانة كان الاحترام كثيفًا حولها وفيها وعلى وجهها، والهدوء صارخ من حديثها وأنوثتها، حتى طريقتها في الجلوس، انتظرت دورها بين الطالبات المبدعات في الحوار والحديث، وجاد القدر علي وأكد شعوري بوهجها ورونقها من بعيد! أتذكر أن حوارنا كان مساء، هي ليست متكلفة كلها تلقائية وطفولة وسيدة من الدرجة الأولى! كلها بساطةً وعفوية!
احترامي لها وإعجابي بها وصل حد الفخر، وعذري أني أركز عالجانب المشرق من الحياة نحو الأشخاص الرائعين، أمثال تلك السيدة الراقية وقدرتها المميزة على التميز ونقله للعالم، بإحساسها وسلوكها التي تمارسه لأنه نابع من ذاتها ووجدانها.
اعذروني قد حان موعد إنهاء هذا النص، ولقد خطر على بالي أن أحتسي كوبًا من القهوة ثانية رغم انتصاف الليل! باقة ورد أهديها لمن يمر عبر سطوري هنا.