قديماً كان المجتمع هو صمام الأمان لحفظ الأخلاق والقيم من الضياع والاندثار، وكانت أعرافه المتعارف عليها بين الناس بمثابة قانون موثق يصعب اختراقه أو تجاوزه، وكان المجتمع قديماً متماسكاً إلى حدٍ بعيدٍ وكانت النخوة والشهامة والتسامح والعفو ووجود المُصلحين من أهل الخير بين الناس أبرز مظاهر المجتمع السائدة آنذاك، وكانت المروءة والحياء أصلاً مؤصلاً بين الناس رجالهم ونسائهم وصغارهم وكبارهم، وكان احترام الكبير سواءً أكنت تعرفه مسبقاً أم لم تعرفه كفرضٍ من فروض الصلاة يستحيل التخلي عنه.
ورغم قساوة الحياة في ذلك الزمن القديم إلا أنه كان زمناً جميلاً يعبر عن الحياة الكريمة ويعطي للإنسان مكانته، وكانت فيه أجواء السعادة والراحة، وكان للأشياء معنى وقيمة رغم قلتها وندرتها وبساطتها، علماً أن كثيراً من الأمور التي عايشناها اليوم لم يُعايشها أجدادنا ولا حتّى آباؤنا، لا زلت أذكر كيف كان أبي يُحافظ على بيتِ جاره في غيابه؟ وكيف كان يُرسل أُمِّي الأمية لتطرق باب الجيران لتسأل عنهم وتتفقد أحوالهم وماذا ينقصهم من حاجاتٍ واحتياجيات؟ ولا زلت أذكر كيف كان الجيران يتبادلون صحون الطعام فيما بينهم رغم أن أوضاع الناس المادية كانت قليلة لكنها كانت نفوسهم عظيمة وكان الطعام يخلو من النكهات والمقبلات ومع ذلك كان لقرقعة هذه الصحون نكهة ولذة لا يمكن نسيانها، في الماضي كان للمناسبات رونقها