لوحظ مؤخراً أن كثيراً من الشباب لا يمتلك الفكر الذي يسمح له بتكوين رأي مستقل به وإن وجد هذا الرأي فهو لا يعبر عنه بأسلوب صحيح وسليم يجعل صاحبه يصل إلى هدفه.


ـ وتكوين الرأي هو عملية تطورية تبدأ منذ الطفولة حيث يسأل الطفل تريد هذه اللعبة أم تلك ، تأكل سبانخ أم ملوخية ...
نعم منذ ذلك الوقت والرأي ممكن التعبير عنه ولكن في هذه المرحلة العمرية لا يكون الرأي مبني على أسس أو معتقدات أو أفكار راسخة وإنما يكون تعبير عن رغبة معينة ... مثل أريد أن أنام ، أريد أن ألعب .. وهذا تعبير عن رغبة ناتجة عن رأي.

ـ ومع تقدم العمر وتفتح المدارك يأتي دور الأسرة في تكوين الرأي لدى الطفل أو الشاب...
فالعائلات التي تجلس معاً وتناقش أي قضية سواء عائلية خاصة أو اجتماعية أو حتى دولية تتيح المجال أمام الجيل الجديد أن يتعرف على مختلف الآراء وكيف وصل إليها من سبقوه فى العمر.
وكيفية الوصول إلي الرأي أهم من إعطاء الرأي في هذه المرحلة وهو ما يكون في البداية عن طريق الاستماع إلى الأهل والإنصات إلى الأصدقاء وغالباً ما يحدث عملية تبني لآرائهم أوتوماتيكياً دون البحث وراء هذا الرأي لمعرفة كيف توصل إليه الأهل أو الأصدقاء.

ـ ثم يبدأ الشخص في التفكير في كيفية الوصول إلى رأي...
وهذا يتطلب مجهود لأنه يحتاج إلى قراءة وبحث ومطالعة كما يحتاج إلى الدخول في مناقشات حتى يتبين الآراء الأخرى ويختلف ويتفق معها، وهنا العملين متبادلين، فكما أعطي غيري رأي والأسس التي وصلتني له فأنا آخذ منه رأيه وكيف وصل إليه، وما هي الأساسيات التي كون عليها رأيه.

ـ كذلك المناخ الاجتماعي مهم لتكوين الرأي ...
فلا يمكن لشاب أن يكون رأي وهو يعيش في أسرة أو مجتمع دائماً ما يستهن برأيه دون الإنصات إليه.
أي رأي مهما كان سطحي أو تافه أو حتى شاذ يجب الإنصات إليه والتناقش في أساسياته لأن عملية المناقشة كما سبق وذكرت تثري الطرفين.

ـ وهنا يجب ذكر أن أساليب المناقشة وفن الحوار هو ما يحدد نجاح التعبير عن الرأي دون الإخلال بالمضمون ودون إفساد الود بين الطرفين...
ولذا من أعمدة نجاح التعبير عن الرأي هو فن الحوار وأساليب المناقشة وطرق المحاورة المختلفة التي تكون قاعدتها احترام الطرف الآخر مهما كان رأيه.
كثيراً من الشباب يملك الفكر اللازم لتكوين الرأي ولكنه لا يملك فن الحوار ولذا لا يعبر عن رأيه، لأنه حين يعبر عن رأيه لا يستطيع أن يحاور أويناقش الطرف الآخر، مما يكون له نتيجة معاكسة وسلبية على الحوار أو المناقشة.
ومع تكرار هذه السلبية يلجأ الشخص لعدم التعبير عن رأيه ابتعاداًً منه عن سلبيات المناقشة، ومن هنا تكون نظرية "تكبير الدماغ" التي يطلقها الشباب هذه الأيام. وهي إحدى سلبيات الجيل الجديد إما لضحالة الفكر أو لعدم إمكانية الحوار.

ـ ومن أسباب عدم التعبير عن الرأي التي يرى الشباب أنها أساسية هي عدم جدوى التعبير عن الرأي وما هو إلا مجرد تحصيل حاصل ورأينا لن يغير من شيء ...
وهذا اعتقاد خاطىء: حيث أن تغيير شيء لا يتم بمجرد التعبير عن الرأي وإنما يتم عن طريق الثبات على الرأي واستمرارية التعبير عنه واستعمال مختلف أساليب الحوار والمداولة والمناقشة للوصول إلى الهدف، وكلما كانت المقاومة للتغيير قوية كلما كان ذلك دليل على أن الرأي مبني على أسس وقد تكون صحة هذه الأسس قوية.

* ولذا التعبير عن الرأي يجب أن يكون ممارسة قابلة للتعديل والتطوير حسب ما يتوصل إليه الإنسان من قراءات وأبحاث وملاحظات فيما يدور من حوله.
كذلك تلك الممارسة تحتاج دائماً إلى صقل في المهارة وفن الحوار والنقاش حتى يكون دائماً مبني على احترام آراء الطرف الآخر حيث أن الاختلاف لا يفسد الرأي أو الرأي الآخر.