د.عبود الازرق
د.عبود الازرق
هناك ثلاث اتجاهات في الفكر الديني المعاصر.
الاتجاه الاول هو الفكر التقليدي الذي يتخذ من الموروث الديني المذهبي مصدرًا لفهم الدين والحياة وينقسم الى إخباري يعني يصدّق الخبر في الكتب القديمة مع غياب العقل والنقد. وينقسم الى نفعي يعني يأخذ ما يتوائم مع الحال، فقد ينكر الخبر إذا عرّضه للإحراج وقد يقبله إذا سمحت الفرصة لذلك.
الاغلبية الساحقة من الناس من هذا الاتجاه يمثلون العقل الجمعي وعامة الناس وكل مؤسسات الدين تعتمد عليهم وكل المليشيات والحركات والأحزاب والسياسيين تعتمد كليًا على هذا الاتجاه. الميزة في هذا الاتجاه أنه بسيط جدًا، عاطفي يتفاعل مع الخطاب الحماسي والشخصيات والأسماء والرموز والأحداث التاريخية.
والاتجاه الثاني هو التنويري وهؤلاء خليط فكري رافض للمذاهب وكتب التراث والجماعات والشكليات الدينية بيد أنه قاصر عن أنتاج صورة تتوائم مع الفكر المعاصر. عادة ما يكون هذا الاتجاه انفعالي حماسي تشهيري للخرافات والاكاذيب في الحديث وكتب التفسير والتاريخ.
هذا الاتجاه قد يرفض العلم جملة وتفصيلًا لأرضاء المحيط والبيئة وقد يقبله أذا توافق مع المنهج وقد يرفض الدليل من القرآن إذا تعارض مع رؤيته للدين وقد يتبنى تشريعات الموروث الديني في العبادات إذا عجز عن تقديم فكرًا يتناسب مع الآيات القرآنية. عدم النضج في الفكر التنويري هو نتيجة لعدم تحديد المنهج وهذا ناتج عن مجاملة الاتجاهات التنويرية بعضها لبعض وبذلك يحصل غياب العقل الناقد وتجاهل العقل الواعي فيهم.
والإتجاه الثالث هو العقلانية الواقعية وهو فكر يقوم على إتباع الدليل والحجة والبراهين في الواقع وأن الدين تطور فكري يقوم على التراكم المعرفي. منهج الدين يقوم على تتبع اليقين في الدين: أعبد ربك حتى يأتيك اليقين. لا يشكل هذا الفكر غير نسبة ضئيلة جدًا في مجتمعتنا لأنه يعتمد على المنطقية والعقلانية وعدم المجاملة في الدين وقلة من الناس تقبل هذا الاتجاه لقصور ثقافي معرفي أو لخوف من المحيط والجماعات التنويرية والتراثية.
كل هذه الاتجاهات تعتمد على الخلفية الثقافية والبيئة والمحيط والمناهج المدرسية والأعراف والتقاليد في مجتمعتنا ولذلك أي فكر أو فكرة ناضجة تتعثر في طريقها الى المجتمع فيبطل أي عمل في الإصلاح. الخلل هو أن الفكر الإصلاحي تشوّه في ذهن الطبقة الواعية. وهناك قصور في الإنتاج المعرفي.
هذا العجز جاء من تاريخ طويل في الاضطهاد الفكري وعندما يرى الفكر يتطور في الواقع يسعى الى استنساخ نفس الفكر بدل الاستفادة والدعم والعمل على تطوره. لو نظرنا الى الاتجاهات المعاصرة فسوف تجد أن هناك أفكارًا مشوّهة في كل اتجاه، ذلك لأن كل أتجاه حاول ان يستنسخ فكرًا دخيلا عليه كي يتوائم مع معتقدات الفرد وخلفيته المعرفية في ذلك الاتجاه.
هذه هي ميكانيكية التعطيل الفكري، فعندما يشعر الناس بعدم المصداقية تتشوه الفكرة في ذلك الاتجاه ومع مرور الزمن ينساق الاتجاه الى مجموعات نخبوية لا تتوائم مع الواقع. عندما يفهم الواعي المثقف شيئًا جديدًا، يشعر بالنشوة والفرحة لكنه يعجز عن إدراك العمل به لأنه فاقد للميكانيكية التطورية وينتهي به المطاف الى الإحباط.
يقول الله في كتابه: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ. يعني إذا فرغت من البحث والتقصي وأصبحت هناك حصيلة معرفية، فتوجب عليك القيام بالعمل والدعم لرفع كلمة الله ورغّب نفسك لقبول الحق وفق التراكم المعرفي فهذه ليست كلامات جميلة وطلاسماً وأنما منهجًا متكاملًا يعتمد على إلغاء الذات والأنا.
أ.طالب عوده عباس
مُتابعة بـ شغف
مكياج سينمائي
احلئ سطور واحلئ كلمه
متابعه
توثيق 8