الحب بالأفعال قبل الأقوال
عندما يشع منا الحب تظهر حقيقته في أفعالنا وتعاملاتنا التي تترجم جوهر إنسانيتنا تجاه من نحبهم. إنسانيتنا التي تميز بين من تخالف أفعالهم أقوالهم. إنسانية تتطابق مع روح القيم ورسالة الديانات. تلك الأفعال، لا الأقوال فقط، هي القاسم المشترك بين المحبين في الحب الثنائي أو الحب بين الجماعات وأهل الهويات المختلفة، بل هي أفعال تعبر عن رضا المحبين تجاه بعضهم البعض. كذلك حال الرضا بين أهل الهويات المتنوعة.
الرضا بين المحبين، وبين أهل الهويات تجاه بعضهم، هو رضا الجميع بما هم عليه أحبتهم، فكل قوم راضون بما هم عليه، وعليهم أن يكونوا راضين بما هو عليه أهل الهويات الأخرى. هذا الرضا ذاته إذا ما استعرناه من ”أوفيد“ الشاعر الروماني الذي يجده في الحب المتبادل بين الرجل والمرأة، [1] فهو رضا بعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم وإن خالفت عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا، كما هو مطلوب من الآخر، أي الرضا على ما نحن عليه. هكذا تبادل للرضا هو من أهم وجوه الأفعال التي تسبق الأقوال لا سيما لتحقيق المحبة بين جميع الأطياف في الوطن الواحد.
إن المواقف التي تروم بلوغ مأرب الوحدة الوطنية والتكامل الاجتماعي لا يسعها تحقيق ذلك بالاعتماد على جزالة الخطابات السياسية وبريق الادعاءات الأيديولوجية - مهما صدقت النوايا وحسنة المقاصد - ما لم تسبقها أفعال واقعية وإجراءات عقلانية، لا تستهدف قمع نزعة الأنا الثقافي إلى التوحد مع قيم الجماعة الأولية وردع توق الذات إلى التماهي مع الأصول الرمزية التي تمنح الجماعة الإحساس بالتفرد القومي والتميز الثقافي فضلاً عن تكريس الوعي بالهوية، تحت ذريعة الخشية من أعاصير الفتن الداخلية ودوامات المحن الخارجية من جهة، والحفاظ على روابط الوحدة الوطنية وإدامة زخم الولاء السياسي من جهة أخرى. بل إنها - الأفعال والإجراءات - تتيح في الغالب، الفرص وتهيء السبل القمينة بحمل المكونات المعتصمة خلف عناوينها الفرعية، على إدراك حقيقة أنه لا غنى لبعضها عن البعض الآخر، إن هي أرادت تحقيق أهدافها وتأمين مصالحها وصيانة تطلعاتها، بواقع أن تاريخها واحد ومصيرها مشترك. [2] وفي المقطع المرفق رأي مفيد من زاوية مرتبطة بالموضوع بعنوان ”الحب أفعال وليس أقوال