الحرس الثوري الإيراني يجند متطوعين للقتال في غزة
بينما يثير الدعم الكامل الذي يقدمه قادة إيران لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) توترات في البلاد، يشجع النظام الإيراني مواطنيه على القتال ضد إسرائيل حيث أطلق حملة تجنيد عبر الإنترنت. عملية دعائية تثير حفيظة جزء من المجتمع الإيراني.
نشرت في: 26/10/2023
إيرانيون يسيرون في شارع وسط العاصمة طهران قرب لوحة إعلانية كبيرة يظهر فيها مواطنون مسلمون يرفعون أعلام دولهم متجهين نحو قبة الصخرة في القدس، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023. © أ ف ب
طفل لم يبلغ سن المراهقة يرتدي سترة عسكرية ويقف أمام المسجد الأقصى في القدس، ويرتدي كوفية حول رقبته ويضع على صدره دبوسا يحمل صورة الجنرال الراحل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، الذي قُتل في غارة أمريكية في بغداد في عام 2020. هذا الصبي الصغير هو وجه الحملة الإلكترونية التي أطلقتها طهران، بهدف تجنيد مقاتلين – بمن فيهم الأطفال – لحرب حماس ضد إسرائيل.
صورة تعيد إلى الأذهان الحرب بين إيران والعراق التي أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص من الجانب الإيراني، بينهم آلاف المراهقين الشباب الذين تم إرسالهم إلى الجبهة متقلدين مفاتيح حول أعناقهم، وعدهم قادتهم بأنها ستفتح لهم أبواب الجنة.
هذه العملية الدعائية واسعة النطاق، والتي أطلق عليها اسم "طوفان الأقصى"، وهو نفس الاسم الذي أطلقته حماس على هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم نشرها ليس فقط عبر عدة مواقع تابعة للحرس الثوري، ولكن أيضا عبر الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، إذ تم عرض لافتة تعرض عدد المسجلين في غضون أسبوع واحد فقط. وبحسب التلفزيون الإيراني فإن عدد المتطوعين المستعدين للذهاب إلى فلسطين لمحاربة إسرائيل تجاوز حينها ثلاثة ملايين. كما تم إرسال رسالة قصيرة إلى الإيرانيين تطلب منهم التعبير عن رغباتهم عبر الرسائل النصية القصيرة.
المؤرخ المتخصص في الشؤون الإيرانية لمركز أبحاث إيتوبيا في بروكسل جوناتان بيرون يقول إنه "كثيرا ما يشغل النظام الإيراني الرأي العام الداخلي بالقضية الفلسطينية، لكن المواطنين لا ينخدعون باستخدام النظام لهذه القضية لخدمة مصالحه الخاصة... جزء من الشعب يعتبر هذا الخطاب بمثابة دعاية، حتى إن لم يكونوا غير مبالين بمصير الفلسطينيين".
شعارات حوّرها المتظاهرون الإيرانيون
لقد اعتاد الإيرانيون على الخطاب المناهض لإسرائيل الذي يستخدمه الممسكون بزمام السلطة. خطاب يردده القادة الإيرانيون أسبوعيا خلال الخطبة السياسية لصلاة الجمعة في طهران، وتتخللها شعارات تقليدية مثل "الموت لإسرائيل!"، تدعو إلى تدمير الدولة العبرية. ويتم أيضا ترديد شعارات أخرى مثل "الموت لأمريكا" أو "الموت لإنكلترا" خلال هذه المسيرات التي تحضرها أشد شرائح النظام تشددا.
"يتم ترديد هذه الشعارات تلقائيا، وهي الآن جزء من الخطاب الأساسي للنظام الإيراني. لكن عددا من الإيرانيين يعتبرونها خالية من المعنى ويحورونها أثناء المظاهرات ضد النظام لتدعو إلى الموت، ليس لإسرائيل أو الولايات المتحدة، ولكن للمرشد الأعلى علي خامنئي" وفق تأكيد جوناتان بيرون.
هذا النوع من حملات التسجيل على قوائم "الشهداء" المستعدين للمشاركة ضد إسرائيل متكررة بانتظام في البلاد، إذ يتم إطلاق حملة دعائية كهذه مع كل هجوم إسرائيلي على غزة.
وتحتفظ إيران بعلاقات وثيقة مع حماس، إذ لا تقدم لها دعما مفتوحا وحسب بل أيضا مساعدة مالية ولوجستية يوفرها الحرس الثوري على وجه التحديد. فقد اعترف رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في مقابلة مع قناة الجزيرة أوائل عام 2022، بأن الحركة الإسلامية "تلقت 70 مليون دولار كمساعدات عسكرية" من إيران. وتقوم طهران بشكل عام بتمويل جميع الجماعات الفلسطينية المسلحة بمبلغ يصل إلى 100 مليون دولار سنويا، وفقا لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية نُشر في عام 2020.
رفض الدوس على علم إسرائيل
وفي طهران، عُرضت في الأيام الأخيرة لوحة إعلانية عملاقة تشجع على تعبئة سكان الشرق الأوسط "ضد الاضطهاد".
لافتة إعلانية في منطقة وليعصر في طهران تحمل دعوة صريحة إلى تعبئة شعوب الشرق الأوسط "ضد الاضطهاد" https://t.co/gcHgb4Ok4M
لكن انتشرت أيضا على شبكات التواصل الاجتماعي صورة لشابة إيرانية تقفز فوق العلم الإسرائيلي الموضوع على الأرض متجنبة الدوس عليه. صورة رمزية قوية، بينما يتم رسم الأعلام الإسرائيلية أو الأمريكية على الأرض، أمام بعض المباني العامة الإيرانية، لإجبار المشاة على الدوس عليها، كما يوضح جوناتان بيرون، الذي يلاحظ "انعدام الثقة المتزايد بين المواطنين".
شابة إيرانية تقفز فوق علم إسرائيلي ملقى على الأرض في أحد شوارع طهران لتجنب الدوس عليه. pic.twitter.com/kj49BQRdYm
وفي المظاهرات ضد النظام، التي تزايدت في السنوات الأخيرة، لاحظ الباحث أيضا ظهور شعارات تطالب القادة الإيرانيين "بألا تذهب أموال البلاد بعد الآن إلى عمليات خارجية في سوريا أو لبنان أو لحماس، بل تكريسها لرفاهية الشعب". وذلك بينما تعاني إيران من أزمة اقتصادية خطيرة وتحتاج إلى تجديد بنيتها التحتية.
لعبة خطيرة
وصلت التوترات بين المؤيدين والمعارضين للنظام في إيران منذ وفاة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر 2022 إلى درجة أن الدعم الكامل للنظام الإسلامي لحماس بات يتسبب في تجاوزات. في 8 تشرين الأول/أكتوبر، في اليوم التالي لهجوم حماس على إسرائيل، وخلال مباراة كرة قدم لنادي بيرسيبوليس، هاجم المشجعون الإيرانيون المؤيدين للنظام الذين كانوا يلوحون بالعلم الفلسطيني في الملعب.
مشجعون لنادي بيرسيبوليس لكرة القدم يهتفون "ضع العلم الفلسطيني في صدرك" بعد رؤية أشخاص مؤيدين للنظام يلوحون بهذا العلم في الملعب. وهو رد فعل يعبر عن إحباط جزء من السكان إزاء الدعم الكامل الذي يقدمه النظام الإسلامي لحماس. pic.twitter.com/F74X8WP7J8
ويعتقد جوناتان بيرون أن النظام الإيراني من جانبه، عبر رغبته في تشجيع الحرب ضد إسرائيل، يخوض رهانا كبيرا، ويضيف أن "طهران تحشد دعما قويا لفلسطين، لكنها تخاطر بأن تجد نفسها في مأزق إذا لم تكن تنوي المضي قدما". لعبة خطيرة، خاصة وأن الولايات المتحدة، حليفة الدولة العبرية، أعلنت في 22 تشرين الأول/أكتوبر الماضي تعزيز وجودها العسكري في المنطقة وحذرت إيران والتنظيمات المسلحة من أي توسيع للصراع في الشرق الأوسط.