دائرة التأثير ودائرة الاهتمام
دائرة التأثير ودائرة الاهتمام أو الهموم: أداة مهمة جدًا من الأدوات الفَعَّالة لتحقيق الأهداف ولتحسين العلاقات وللتغلب على التحديات وحل المشكلات إذا استعملت بالشكل الصحيح مقرونةً بالانضباط الذاتي. وقبل أن أشرع في الحديث عن هاتين الدائرتين، أود أن ألقي الضوء على مفهومين ذكرتهما هنا، وهما: الفَعَّالية والانضباط الذاتي.
الفَعَّالية:
فَعّال: (اسم) ؛ صيغة مبالغة من فَعَلَ: كثير الفعل، نافِذ، مؤثِّر، وسيلة فعّالة؛ دَوَاءٌ فَعَّالٌ: نَاجِعٌ، نَافِذٌ، مُؤَثِّرٌ؛ إِجْرَاءاتٌ فَعَّالَةٌ: قَوِيَّةٌ، نَافِذَةٌ (الفلسفة والتصوُّف) ما يحدث أثرًا، العلَّة الفاعلة والسَّبب المحدث للأشياء.
ويعرفها د. ستيفن ر. كوفي في كاتبه "العادات السبع للأشخاص الأكثر فّعَّالية" بأنها: الفَعَّالية = الإنتاج والقدرة على الإنتاج.
الإنتاج: هو المُخْرَجْ (الهدف) الدائم الذي نريد أن نصل إليه أو السلوك المستدام الذي نريد أن نمارسه نحن أو من يعنينا أمره ممن نعمل أو نتعامل معهم. (تعريفي الشخصي)
القدرة على الإنتاج: هي الوسيلة أو الأداة المؤثرة، الناجعة، التي تحدث أثرًا مستدامًا والتي نستعملها للوصول للمُخْرَجْ أو لتحقيق الهدف المنشود أو السلوك الذي نريد أن سنمارسه ونلتزم به على الدوام. (تعريفي الشخصي)
مثال:
بما أنني أتحدث هنا عن موضوع الأسرة الفَعَّالة، أذكر مثالًا يخص الأسرة. لنفرض أن زوج وزوجة يريدان الوصول لعلاقة فَعَّالة فيما بينهما. فنحن هنا نحتاج تحديد الهدف (المنتج) الذي نريد الوصول إليه والوسيلة أو الأداة التي ينبغي لنا أن نستعملها "القدرة على الإنتاج" لكي نصل إلى الهدف.
الهدف/المنتج هنا هو علاقة فَعَّالة، علاقة مستدامة، قائمة على تفاهم وتفهم لجميع الأمور التي تواجههما (الزوج والزوجة) في حياتهما اليوم أو ما يطرأ من تحديات بين الآونة والأخرى.
القدرة على الإنتاج هنا هي الحوار المباشر المعتمد على الإنصات الاستشعاري/العاطفي (الإنصات بالقمص العاطفي) الذي يتطلب الإنصات من أجل فهم ما يقوله الطرف الآخر ومشاعره وحالته النفسية والجسدية وألا نتحدث إلا بعد أن نتأكد من فهمنا العميق له ولحالاته من جميع النواحي.
الانضباط الذاتي:
يُعَرَّف بأنه "أن تعمل الشيء الذي ينبغي لك عمله في الوقت الذي ينبغي لك أن تعمله فيه سواءً شعرت بالرغبة في ذلك أم لا". أي أن تلتزم وتلزم نفسك بعمل الشيء الذي ينبغي لك أن تعمله في الوقت الذي ينبغي لك أن تعمله فيه وألا تستسلم للمشاعر السلبية أو الظروف أو المحبطات.
بعد هذا نعود للحديث على دائرتي التأثير والاهتمام/الهموم. دائرة التأثير: تحتوي (ينبغي أن نضع فيها) كل شيء يستطيع الفرد التحكم فيه هو (تحت سيطرته) وله علاقة مباشرة بالموضوع الذي يريد أن تتعامل معه. دائرة الاهتمام/الهموم: ينبغي أن تحتوي (أن نضع فيها) كل شيء لا يستطيع التحكم فيه (خارج سيطرته) وليس له علاقة مباشرة بالموضوع الذي يريد أن يتعامل معه.
ملاحظات:
1. هذه الأداة يمكن استعمالها للأفراد والمجموعات التي تشترك في تحقيق هدف واحد محدد أو للتغلب على تحدي أي مشكلة مشتركة.
2. لكي يكون استعمال الأداة أكثر فَعَّالية، ينبغي أن نضع في أذهاننا الأمور التالية ذات علاقة بالفعل الذي نريد أن نقوم به لكي نحقق الهدف أو الأثر المطلوب.
- أن نركز جهودنا ونقضي أوقاتنا في عمل الأمور التي يمكننا السيطرة عليها نحن وليس الأمور التي لا يمكننا السيطرة عليها. فكلما زادت نسبة قدرتنا على التحكم (السيطرة) على الأفعال التي نضعها ضمن دائرة تأثيرنا فكلما زادت نسبة قدرتنا على التحكم في الفعل اقترب من محور دائرة تأثيرنا وكانت نتائج أفضل.
- نسبة الأثر أو العائد من الفعل على تحقيق الهدف أو التغلب على التحدي أو حل المشكلة.
- مناسبة الوقت الذي يحتاجه الفعل مع الهدف/الحالة/التحدي الذي نحن بصدد التعامل معه. فإذا كنا في حالة طوارئ -لا سمح الله- فلا ينبغي أن نختار فعلًا يحتاج إلى أيام أو أسابيع لتنفيذه حتى لو أن له أثرًا كبيرًا.
خطوات تطبيق الأداة:
أود أن أركز على "بناء أسر فَعَّالة"، لهذا أستعرض هنا خطوات لتطبيقها على العلاقات الأسرية. ولنفترض أن أحد الأشخاص لديه مشكلة مع زوجته أو زوجة لديها مشكلة مع زوجها، فما الذي ينبغي لهما عمله لكي يطبقا هذه الأداة بفَعَّالية؟
أرجو قبل أن تكمل قراءتك للموضوع، إذا كانت تواجه بالفعل تحديًا مع شريك حياتك فاستعد كي تطبق هذه الأداة باتباع الخطوات التالية:
1. اكتب التحدي الذي تواجهه أو المشكلة بشكل دقيق جدًا ومختصر، كن دقيقًا في وصف التحدي بكلمات مختصرة جدًا.
2. قم بعمل جدول من أربعة (4) أعمدة. العمود الأول دائرة التأثير، العمود الثاني نسبة التأثير، العمود الثالث الأثر الموقع من الفعل، العمود الرابع دائرة الهموم/الاهتمام.
3. اصنع عصفًا ذهنيًا لكتابة:
- (((كل))) ما بإمكانك عمله (((أنت، أي الأشياء التي تتحكم بها أنت وليس الطرف الآخر))) في العمود الأول الخاص بـــ "دائرة التأثير" والذي قد يؤدي إلى التغلب على التحدي (أو حل للمشكلة).
- (((كل))) ما تفكر فيه وله علاقة بالتحدي أو المشكلة لكن لا تستطيع عمل أي شيء أنت شخصيًا لتغيره بما في ذلك الضغوط والهموم التي يسببها لك الموقف أو المشكلة في العمود الثاني الخاص بــــ "دائرة الاهتمام/الهموم".
4. الآن ركز فقط وفقط على ما يمكنك أنت التحكم والسيطرة عليه من الخطوات أو الإجراءات التي كتبتها في العمود الأول الخاص بـــ "دائرة التأثير" واستعمل الأهم ثم المهم حسب تقييمك للخطوات التي تنتج تأثيرًا أكبر في وقت أقل.
5. عاهد نفسك على أن تلتزم بتطبيق هذه الخطوات التي ستحقق لك الهدف (التغلب على التحدي/حل المشكلة). وعندما أتحدث عن الالتزام أتحدث عن تطبيق الانضباط الذاتي؛ القيام بما ينبغي لك فعله حتى وإن كنت لا ترغب في ذلك أو تمنعك الأنا أو عزة النفس من ذلك إذ نحن نتكلم عن "ما ينبغي لك فعله".
ملاحظة:
قد يساعدك ويحفزك أن تقوم بتطبيق الإجراءات أو الخطوات التي كتبتها في العمود الأول الخاص بـــ "دائرة التأثير" والتي تنم عن قناعتك أنت من أنها ستساعدك في تحقيق الهدف/التغلب على التحدي/حل المشكلة، سيساعدك ويحفزك على ذلك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة وتتخيل نفسك في تلك المواقف وأنت تجيب عن الأسئلة:
1. ما آثار الوضع الحالي عليَّ وعلى بيتي وأسرتي؟
2. ما الآثار والنتائج التي سأحصل عليها عندما يستمر الوضع على ما هو عليه؟
3. ما الآثار الإيجابية التي سأحصل عليها عندما يتحسن الوضع بتطبيق الخطوات أو الإجراءات التي أنا مقتنع بأنها ستساعدني في تحقيق الهدف/التغلب على التحدي/حل المشكلة والتي كتبتها في العمود الأول الخاص بـــ "دائرة التأثير"؟
هنا أقترح عليك أن تتخيل النتائج وتتصور نفسك وعائلتك بعد أن يتحسن الوضع وتعيش العائلة بسلام ووئام. "ارسم صورة، تخيل نفسك، اكتب كل ما ستجنيه أنت وشريك حياتك وأفراد أسرتك عندما يتحسن الوضع".
أتمنى أن يؤتي هذا الموضوع ثماره ويحدث أثرًا وتغييرًا على مستوى الوعي والسلوك على القارئ العزيز وأن يعمل القارئ بما يجده في الموضوع من خطوات ذات منفعة له ولأفراد أسرته.
أود أن أؤكد في الختام أن استعمال هذه الأداة لا يقتصر فقط على تحقيق الأهداف أو التغلب على التحديات أو حل المشكلات الشخصية والأسرية فحسب بل يمكن تطبيقها من قِبَلْ المجموعات وفرق العمل وفي المؤسسات.