بكم تشتري دعوة؟!
قبل أن تجيب عن السؤال، أريد أن ألفت نظركَ -القارئ الكريم- إلى عادة من أروع العادات عند الباعة والتجار في القطيف، لعلها عند غيرهم ولم ألتفت إليها، تشتري غرضًا ما وعندما تعطي البائع المبلغ يأخذه ويدعو لك: أغناكَ الله، وكثّر الله خيرك! دعوة تجبرك أن تعود للتبضع عنده مرة ثانية، تشتري بضاعة ممتازة ودعوة طيبة. على العكس من الذي لا يقول شيئًا ولا يلتفت إلى الزبون!
عندما لا تزال الأمّ على قيد الحياة -أطال الله عمر الأمهات- تتجلى في دعواتها أسرارُ البهجة والاستجابة والتوفيق: تفتح الباب، تلحقك دعوة الأم: تروح وترجع بالسلامة يا عيني، تعود للبيت: يا أهلًا بخلفِ كلّ من راحوا ولم يعودوا. تأتي فترة الامتحانات، تنام أنتَ وهي لا تنام: عسى ربي يكتب النجاحَ وتطلع الأول على المدرسة كلها! تدرس، تتزوج، تعمل، تنجب، تأكل وتشرب، كل الأفعال تلاحقك فيها دعوة الأم!
تتجلى أسرار دعوة الأمّ عندما تكبر وترى نفسك عظيمًا بفضل دعوتها. ترحل الأمّ والأب ويبقى عليك أن تخلق -أنتَ- البيئة المناسبة للدعوات، معروف قليل هنا، ابتسامة عابرة ولطف هناك، تبحث عن دعوة بأي وسيلة تستطيع لكي يدعو لك إنسانٌ آخر غير نفسك!
دعوات لا تكلف قرشًا واحدًا لها أثمان معنوية رفيعة: أوحى الله إلى موسى -عليه السلام-: "ادعني بلسانٍ لم تعصني به، فقال: أنى لي بذلك، فقال: ادعني بلسانِ غيرك". كم تدفع لمن يخصك من خلفك بدعوة هي مظنّة استجابة "أوشك دعوة وأسرع إجابة دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب"؟.
يعطي الله سبحانه المحسنين أضعاف ما يعطون؛ تسعد شخصًا بدعوة طيّبة يسعدك الله، تعطيه يعطيك الله، تفرج عنه يفرج الله عنك. عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: "من أغاثَ أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته كتب الله -عز وجل- له بذلك ثنتين وسبعين رحمة من الله، يعجل له منها واحدةً يصلح بها أمر معيشته ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاعِ يوم القيامة وأهواله".
هنا أسكت قليلًا لأدع الواقع يتكلم: الأفعال والألفاظ والدعوات الطيبة ترتد إلى أصحابها في الدنيا والآخرة. عندما نفعَل شيئًا جيدًا نشعر بالسعادة ولقد كشفت دراساتٌ عديدة أن القيام بأعمال اللطف -حتى مع الغرباء- يعزز السعادة والرفاهية كما لو ساعدت شخصًا مسنًا في عبور الشارع فهناك جزء منك يشعر بالسعادة الحقيقية لأنك تعلم أنك قمت بعملٍ طيّب تجاه شخصٍ ما.
الأمر لا يحتاج إلى دراسات؛ إذا جاء الليل من هذا اليوم ادعُ لمن تحبّ وسوف تجد نفسك سعيدًا. عن الإمام الباقر -عليه السلام-: "أسرع الدعاء نجحًا للإِجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملكٌ موكل به: آمين ولك مثلاه".
الآن عرفتَ قيمة الدعوة عندما يدعو لك صديق وقيمة دعوة أبيك أو أمك؟ أغلى من الملايين