دعوة للسلام
ماذا سأكتب؟ وكم في القلب من خفقان!، وأنا أبث لحظاتي الفكرية الهاربة دون إرادتي، مدركة أن خفقاني هذا لن يتجاوز حدود عقلي! آملة أن تسعفني قريحتي لأكتب ما في خاطري، وسأبدأ بمقولة مهاتما غاندي: (ليس هنالك طريق للسلام، بل إن السلام هو الطريق).
إن أولى خطوات السلام هى قدرة الإنسان على اكتشاف مشاعره العميقة وإدراك احتياجه للسلام، قبل نحو ثلاثين سنة في حجتي الأولى، حين كنت بجبل عرفة دعوت الله وعيناي تدمعان قائلة بقوة: (يا رب اجعلني دومًا جرحًا لا سكينًا)، وحين دعوته وأنا أسعى بين الصفا والمروة قلت: (اللهم اجعلني مظلومة لا ظالمة).
أظن أن الله قد استجاب لدعائي بطريقة أثرت في نفسي! لست متشائمة، فأنا على يقين بأن السلام سيكون قريبًا. يا إلهي كم نحن بحاجة لترجمة حروف جراحنا إلى العالم أجمع!!
من السهل أن يتميز القلب الذي يبحث عن السلام، أن يكون محبًا للطمأنينة والسلام له ولغيره، وهذه أحاسيس ليست من الصعب أن تظهر على وجهي، ولكن من عيوب أبجديتي هذه المرة بالذات، عاجزة عن نقل مشاعر قلبي إلى هذه الصفحة وإلا تفوقت في ذلك!! هل ثمة ضرورة لأقسم للقارئ هنا بأن السلام منقوش في قلبي! هكذا القلب الذي يلتقط السلام داخله، يتمتع بالهدوء والسكينة على الرغم من الوجع تجاه الغير، حتى يصبح وكأنه حمامة بيضاء تدعو للسلام.
إن السلام رسالة إنسانية مرهفة تشيع الأمن والاطمئنان والرخاء في كل أرجاء الأرض، فهو لا يعني شيئًا إنما هو الهدوء النفسي والسكينة الذي يجعل نفسه وغيره يشعر بالراحة النفسية والطمأنينة، التي تساعد على انتقاء العادات الجيدة أكثر وترك ما هو سلبي منها، سعيًا للتخفيف من الضغط والقلق والتوتر للوصول للسعادة والرضا.
ما السلام؟ هل هو عكس أو ضد الحرب؟ كيف يمكننا حقًا أن نمارس السلام الحقيقي كل يوم؟ هل العالم سلمي أم عنيف؟ إذا كان العالم مسالمًا، فلماذا لا يكون البعض من البشر مسالمين؟ الإسلام سلام، ولكن أين المسالمون؟ لكل إنسان الحق في العيش بسلام، وتجربة السلام هدف ومطلب يمكن تحقيقه.
إن كلمة الإسلام نفسها، والتي تعني التسليم مرتبطة بالسلام العربي. ولكن العالم الذي يعيش فيه البشر اليوم جميعًا مليء بالعنف والخلاف والانقسام. وحتى نجد السكينة والسلام في كل هذا، علينا أن نختار ونقرر أن نصبح صناع السلام. يمكننا أن نسعى جاهدين لنكون وسطاء للسلام داخل جدران منازلنا وفي تعاملاتنا مع الأشخاص الذين يتعاملوا معنا في حياتنا.
أدرك أن القيام بذلك ليس بالأمر السهل ولكنه بالتأكيد يستحق السعي لتحقيق ذلك.
يتساءل البعض من الناس ماذا يقولون عن السلام؟! السلام هو أمر طبيعي في الانسجام مع الله؟ وعندما نتبع قوانين الله، فإننا نسعى للسلام ونمارسه وأن الله يبارك صانعي السلام, ويشجعنا على أن نكون في سلام مع بعضنا بعضًا. إن صنع السلام ليس مجرد شيء يحدث هنا وهناك، بل يبدأ الأمر في علاقاتنا الوثيقة مع أنفسنا وأهلنا وعلاقاتنا في بيوتنا وجيراننا وديارنا، حتى في طريقة حديثنا مع الغير. ويمكننا تعليم أطفالنا كيفية حل النزاعات فيما بينهم أو مع أصدقائهم والأشخاص الآخرين الذين يعرفونهم. لنتخيل كيف يمكن أن تكون الحياة أفضل لنا ولهم!! نعم السلام هو أحد ثمار الروح.
إن صنع السلام أصعب من صنع الحرب، والسلام ليس غياب الحرب وليس نتاج الخوف والرعب بل السلام هو الإيمان والعدالة. إذا كنا نريد صنع السلام، فلا نتحدث مع أصدقائنا فقط بل مع أعدائنا أيضًا. إذا أردنا أن نصنع السلام مع عدونا علينا أن نعمل معه. أفضل طريقة لتدمير العدو هي أن تجعله صديقًا. وإذا أردنا أن نعيش معًا في سلام، يجب أن نتعرف على بعضنا بعضًا بشكل أفضل. يجب أن نتعلم كيف نعيش معًا كإخوة. حيث ممارسة السلام هي إحدى الأعمال الإنسانية القيمة.
السلام هو عندما تتحرر من كل مشكلات العالم، ولقد خلق الله العالم أرضًا للسلام للعدل والوئام والاحترام في العلاقات، وفي قلوبنا، وفي الحياة اليومية، وهذا سيكون الجنة بالفعل. إذن الجنة والسلام: هاتان الفكرتان لا يمكن فصلهما. لا أستطيع أن أتخيل أن أكون في الجنة من دون سلام، عندما أفكر في تجربة السلام الحقيقي تبدو وكأنها الجنة بالنسبة لي. أظن أن الكثير من الأشخاص سيوافقونني بسهولة ويتفقون معي.
السلام هو هبة من الله، وما يتعين علينا القيام به هو أن نعيش في سلام من أجل السلام ذاته. ولكن من الصعب جدًا العيش بسلام مع البعض كل يوم. إن صنع السلام يتطلب الاعتذار والعفو والمغفرة مرارًا وتكرارًا ومن الأسهل بكثير عاطفيًا أن نسامح الشخص الذي يقول: نعم لقد كنت مخطئًا وأنا آسف.
لا يكفي الحديث عن السلام، يجب أن نؤمن به ونعمل عليه، وهناك ما يكفي في العالم ليحصل الجميع على الكثير ليعيشوا فيه بسعادة وليعيشوا في سلام مع جيرانهم. عندما يكون قلبك في سلام، يكون العالم في سلام، وعندما ينتهك السلام في أي مكان، فإن السلام في جميع البلدان يكون في خطر. حيث يبدأ السلام في القلب؛ إنه نتاج الإيمان والطاقة والإرادة والعدالة والمحبة. نعم هو السلام المبني على احترام الحياة، يجب أن نجد السلام ونبحث عنه، وينبغي أن نخلق السلام. وإن السلام كالصدقة؛ يبدأ في المنزل، لذا تصالح مع العالم قبل أن تنام بثانية مغفرة لنفسك ولأي شخص آخر! نعم حافظ على السلام داخل نفسك، ثم يمكنك أيضًا أن تجلب السلام للآخرين.