عندما يكون الخبر عن المُخبر
في أغلب الحروب الحديثة يسقط ضحايا وقتلى من الصحفيين. الصحفيّ هو من يتّخذ الصحافة مهنةً أو موردًا للرزق ويشمل عمله الكتابة في المطبوعات الصحفية أو مدّها بالأخبار والتحقيقات وسائر المواد الصحفية مثل الصور وغيرها. عادة ما تكون الحروب مسرحًا ثريًّا بالصور والأخبار السيّئة، يلاحقها الصحفيون وينقلونها بسرعة.
تخصَّصَ الصحفيُّ في نقل الأخبار، لكن كلنا ينقل الأخبار؛ فلانٌ حدث له كذا، فلانٌ ماتَ اليوم، فلانة جاء لها ولد. كلنا ننقل أخبارًا طوال اليوم في أحاديثنا وفي وسائل التواصل الاجتماعيّ. ثم تأتي لحظة في الزمن يكون ناقل الخبر خبرًا يتناقله الناس:
بينا يُرى الإنسانُ فيها مخبرًا ** حتى يُرى خبرًا من الأخبارِ
الصحفيّ المهتمّ بأخبار الناس والحوادث، تأتي لحظة تكون صورته وخبر وفاته هو الحدث الرئيس على صورة غلاف الصحيفة التي يكتب فيها. الإنسان - العادي - ينقل أخبار الناس ثمّ تأتي ساعة يكون فيها هو الخبر المنقول على ألسنتهم!
من يريد البقاء خبرًا حيًّا عليه أن يفعل شيئًا عظيمًا في هذا العالم، سالبًا أو موجبًا. ليس كلّ باق في التاريخ ومخلد من الأخيار، إنما يصنع حدثًا عظيمًا ويحفر حفرةً عميقة في التاريخ. ما أكثر أسماء الجبابرة الذين عاثوا في الأرض فسادًا الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم!
ومن أراد أن يخلد خلودًا موجبًا في التاريخ فعليه أن يكون فعله عظيمًا وموجبًا في ذاتِ الوقت:
للفتَى من ماله ما قدمت ** يداه قبل موته لا ما اقتنى
وإنما المرءُ حديث بعده ** فكن حديثًا حسنًا لمن وعى
أَعاظم الناس تدوم أخبارهم مدّة طويلة؛ منهم - ومنهنّ - من يذكره التاريخ منذ آلاف السنين ومنهم من يدوم خبره لحظةً واحدة ثم يصير في أرشيف الذكريات. التاريخ وإن زُيّف وحُرّف لا يرحم، لا بدّ أن يوجد فيه من ينقل الخبر الصحيح فإما أن تكون الذكرى والإرث التاريخي رحمةً باقية أو لعنةً دائمة. من الحكم المروية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "كلكم سيصير حديثًا فمن استطاعَ أن يكون حسنًا فليفعل".
العبرة إذًا، إذا كان لا بدّ أن يأتي يوم نكون فيه أخبارًا وصورًا منقولة فلنكن خبرًا سارًّا وصورةً جميلة على ألسن الناس وفي صفحات الكتب والتاريخ. في المقبرةِ صفوف من القبور لأناسٍ صاروا أخبارًا بعد أن كانوا مخبرين فلننظر أيّ خبرٍ نريد أن نكون!
ثمة شيء آخر: نقل الأخبار السيّئة وكثرةِ استهلاكها وتداولها ضارّ بالصحة بحسب الدراسات العلميّة. أما عندما نرى أو نسمع أخبارًا إيجابية، فإن أجسامنا تفرز هرمونات تجعلنا نشعر بالسعادة. بإمكان القراء الكرام التعرف على أثر نقل الأخبار السيّئة والسعيدة من الدراسات المتوفرة في الشبكة العنكبوتية إن أرادوا ذلك.