إلى طالب علم الدين!
لديّ صديق -طالب علوم دينية- أحببت أن أقدم له نصيحة ولأنّي وجدتها نصيحةً عامّة ها أنا ذا أنشرها وأرجو أن يغفر لي صديقي جرأتي. وللعلم، أعني طالب العلم الديني -في منطقة القطيف- والبيئاتِ المشابهة لها:
عندما تلبس لباس عالم دين -في بلدي يلبسون على رؤوسهم عمامة- انتبه وكن حذرًا. بالأمس -قبل هذا اللباس- كنتَ تمثل نفسك أو عائلتك واليوم تمثل مجموعة طلاب العلم، والأخطر حين يقال إنك تمثل دينًا أو مذهبًا! إذا كان عملك جيدًا قالوا: بارك الله فيه وفي أمثاله! هكذا هم العلماء الذين يدعون للدين والتدين وأخذوا عنك ومنك.
وإن أتيت فعلًا ناقصًا قالوا: انظر إلى طلّاب العلم! هذا واحد منهم وما خفي علينا منهم أعظم! "إذا كان ربّ البيتِ بالدفِّ ضاربًا ... فشيمةُ أهل البيت كلهم الرقص". ثم فقدوا الثقة فيك وفي العلماء وفي الدين أو المذهب؛ أخلاقك وتواضعك "ومزاجك" وأمانتك وملابسك وضحكتك، كل شيء ينظر إليه الناس ويحاسبون عالم الدين عليه!
ظلموني، حمّلوني ما لا أحتمل! أنت اخترتَ هذا الطريق وهذه المهنة وكل اختيار له عواقب وكل مهنةٍ لها رمز يمثلها. قماشة بيضاء أو سوداء تضعها على رأسك تنطق يوم القيامة: تعال، أنتَ وضعتني شارةً خاصّة على رأسك فلم أهنتَ مقامي ورمزي؟!
إياك والغرور؛ تقول: أنا قرأتُ مائة كتاب في المنطق واللغة والفقه والبحوث الخارجية! تواضع قليلًا، غيرك قرأ آلاف الكتب وكتب مجلدات ضخمة وما زاده علمه إلا تواضعًا ورفعة! "فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ فَلسَفَةً … حَفِظتَ شَيئًا وَغابَت عَنكَ أَشياءُ". أينما تذهب يظهر الناس لك احترامًا - أحيانًا مبالغ فيه. الاحترام ليس لشخصك -فقط- إنما للملابِس التي تلبسها والمجموعة التي أنت فيها والدين والأخلاق التي تدعو لها. في الناس من لا يعرفكَ أصلًا ولم يركَ من قبل، يقوم إجلالًا واحترامًا لما يمثله لباسك! لا تنخدع!
عدوّ المرء من يعمل عمله؛ تحاسد الأطباء موجود والمهندسين والتجار والمعلمين والحرفيين غير خاف، فاشتغل بنفسك عمن سواك! فلان لا يفهم شيئًا، فلانٌ لا يستحقّ درجته ومقامه العلميّ، ذلك ليس من شأنك في الأعمّ الأغلب ويُشمّ منه رائحة حسد. أنت مسؤول عن نفسك وليس عن فلان - ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده!
لو كان الخيار بيدي لنصحتُ أن يكون درس الأخلاق ومكارمها -عمليًّا- أول درس إذا اجتازه الراغب في دراسة العلم الديني بدأ بما بعده وإذا لم يجتزه يعيد النظر في وجهته. طالب العلم لن يجلس في حديقة منفردًا عن العالم! الحقيقة أنه إذا نجح صار قبلةً للناس، يتعلمون من أخلاقه ومناقبه و"مزاجه". يتعامل مع البسطاء والمثقفين والعلماء والمجتمع بكل أنماطه وأمزجته. أخلاق العالم ومواقفه هي التي تصنعه فلا علمَ إلا بعمل يقترن به ويكون مصداقًا له في الواقع الخارجيّ.
ثمّة نصيحة أخيرة، جاء في صفات العلماء أحاديث كثيرة جدًّا، وكأنها تحدد النتيجةَ والغاية النهائية التي ينتهي عندها طالب، فمن الجميل أن يتعرف طالبُ العلم على غايته ونهايته القيمة وقدره الرفيع عند الله إذا وصل المحطة المرجوة وقام بواجبها. أحاديث تستحق أن تجمع وتُشرح وتكون مقدمةً لفصول الدراسة.
أما إذا كانت هناك مقدمات تدرس في ذلك الشأن فذلك يظهر جهلي بما يدرس من مناهج. وفي الختام أدعوك يا أخي أن تكون مخلصًا لرسالتكَ حتى نهاية عمرك. يتقاعد كلُّ عامل في الحياة عن عمله في عمرٍ معين إلا عالم الدين لا تقاعد له مهما طال عمره، مدّ الله في عمرك!