هو الإمام الحادي عشر من العترة الطاهرة الذي فرض الله سبحانه طاعته على الناس وجعله خليفة عليهم بنص رسول الله (ص) في حديث يذكر فيه أهل البيت (عليهم السلام) حيث جاء في الخبر الصحيح عن ابن عباس وهو يسمع رسول الله يتحدث عن فضل الحسين (ع) فقال:
قلت: يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟
قال: بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل،
قلت: يا رسول الله فكم كانوا؟
قال: كانوا اثني عشر، والأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة.
قال ابن عباس: قلت: يا رسول الله أسامي ما أسمع بهم قط! قال لي: يا ابن عباس هم الأئمة بعدي وإن قهروا أمناء معصومون نجباء أخيار، يابن عباس من أتى يوم القيامة عارفا بحقهم أخذت بيده فأدخله الجنة، يا بن عباس من أنكرهم أو رد واحدا منهم فكأنما قد أنكرني وردني، ومن أنكرني وردني فكأنما أنكر الله ورده يا ابن عباس سوف يأخذ الناس يمينا وشمالا، فإذا كان كذلك فاتبع عليا وحزبه فإنه مع الحق والحق معه، ولا يفترقان حتى يردا علي الحوض، يا بن عباس ولايتهم ولايتي وولايتي ولاية الله، وحربهم حربي وحربي حرب الله وسلمهم سلمي وسلمي سلم الله، ثم قال (ص): ”يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون“. [1]
وعليه فالإمام الحسن الزكي العسكري (ع) أحد الخلفاء الإثني عشر الواجب اتباعه وطاعته وامتثال أمره ونهيه هو الذي نص على ابنه الحجة بن الحسن عجل الله فرجه بنص رسول الله (ص).
وهنا السؤال ما هو أهم مشروع إلاهي قدمه الإمام الحسن الزكي العسكري (ع) في نجاة الأمة من الضلال والأخذ بأيديهم إلى الرشاد؟
الجواب: بسمه تعالى:
لكل إمام من أهل البيت (عليهم السلام) منهج عام ومنهج خاص فالمنهج العام يتمثل في تربية الروح والأخلاق والعلاقات الثلاث الرئيسة العبد وخالقه والعبد ونفسه والعبد ومن يخالطه من الناس، فقد جاء الإمام العسكري (ع) في مرحلة حرجة في حياة الناس حيث انتشر فيها الظلم والفساد واختلطت المفاهيم وابتعدت النفوس عن بعضها فانتشر سوء الظن والقطيعة بين المسلمين ودخلت الأفكار المنحرفة وانتشرت الأقاويل الباطلة وجور الحكام الظلمة وتربصهم بأهل البيت (عليهم السلام) فوق كل حجر ومدر للقضاء على حجة الله سبحانه وتعالى وبيناته وذلك بالقضاء على فكرة الأئمة من بعدي اثنا عشر خليفة وتعددت المذاهب في المدرسة الوحدة في الإسلام ففي هذا الركام المعرفي والتربص الدائم عمد الإمام على ترتيب صفوف المسلمين تحت هذا المنهج العام الذي لا يختلف عليه عاقلان وهو التأكيد على القيم والمثل الإسلامية من توحيد الله سبحانه والإقرار بالشهادة لنبيه محمد (ص) والسعي في مكارم الأخلاق لأنه أقوى الأسلحة التي قام بها رسول الله (ص) لهداية الناس ولذا كان الإمام العسكري (ع) يركز كثيراً على شيعته أن يتحلوا بأروع مكارم الأخلاق ليجذبوا قلوب المؤمنين لمدرسة محمد وآل محمد فمن ضمن أقوال إمامنا العسكري (ع):
اتقوا وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. [2]
تعليق: هذه الكلمات الذهبية منه (ع) جاءت لتؤكد كل ما أراده الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم في صلاح النفس وتزكيتها من كل قبيح يلوثها وتؤكد على الترقي لمقامات القرب الإلهي فيكون الأهم في حياة الناس هو رضوان الله سبحانه وامتثال أوامره ومن أوامره أن يكون الإنسان نفسه نموذجاً من أخلاق محمد وآل ومحمد وصورة جاذبة لهم (عليهم السلام) من خلال لسانه ويده ورجله وقلبه فإذا سعى كل إنسان في صلاح نفسه فإنه بذلك يكون من الداعين لمودة من حوله لمنهج محمد وآل محمد ولذا روي عن مولانا الحسن الزكي (ع) عدة وصايا منها
أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار. [3]
وقال (ع): قولوا للناس حسنا، مؤمنهم ومخالفهم، أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه، وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان. [4]
ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى عمق هذه المسالك ما لم يسلك طريق العروج مع الله في محراب العشق والذوبان في حب الله سبحانه وتعالى فقد روي عن سيدنا العسكري (ع)
إن الوصول إلى الله عز وجل سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل. [5]
وغيرها من الوصايا هذا كله يتعلق في المنهج العام الذي رسمه مولانا في صلاح الناس وهدايتهم من الظلمات إلى النور وهناك منهج خاص وهو تهيئة الأمة للغيبة الكبرى لمولانا صاحب العصر والزمان فكان على الإمام أن يضع مسؤولية نجاة الأمة في رقاب المؤتمنين على الدين والدنيا من السفراء الخاصين للإمام وإلى العلماء العاملين الذي يدعمون خط السماء فيضع لهم أوسمة الاتباع والهداية والرشاد كي تكون الأمة على استعداد لفقد إمامها وملاذها بشكله الظاهري وتبقى عناية الحق سبحان وتعالى تحيط بهم وترعاهم عين الرحمة من إمام زمانهم فقد روي عنه (ع):
يأتي علماء شيعتنا القوامون لضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة، والأنوار تسطع من تيجانهم على رأس كل واحد منهم تاج بهاء، قد انبتت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة. [6]
الخلاصة:
لكل إمام دوران عام غرضه الأساس تكملة رسالة النبي الأعظم محمد (ص) في صلاح الأمة والمتمركز في مكارم الأخلاق وتزكية الروح والعقل والوجدان من كل ما يلوثها من أمور الدنيا والمنهج الخاص الذي يحافظ على هذا النهج العام والمتمثل في زمن الغيبة اليوم التمسك بمراجع الطائفة المؤتمنين على الدين والدينا والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 36 - الصفحة 286.
[2] بحار الأنوار ج 75 ص 372 ح 18.
[3] أعيان الشيعة ج 2 ص 41 س 30.
[4] مستدرك الوسائل ج 12 ص 261.
[5] بحار الأنوار ج 75 ص 380.
[6] أربعون حديثا وأربعون رواية عن سيدنا العسكري (ع) ص 111.