حنظلة يلتفت
كان، دائما، يعطينا ظهره. لم نعرف ملامح وجهه أبدا، إنه لا يضحك، قطعا، ولكن هل كان يبكي؟ إننا نجهل ذلك. ماذا كان لون دموعه لو كان يبكي؟ لا نعرف. هل تلوح على وجهه أطياف الأمل، أم ظلال اليأس؟ لا ندري. لماذا لا يكبر، هل تعطلت قوانين الطبيعة وهي تنظر إليه، ووقف الزمن؟ وهل كان وقوف الزمن هذا احتراما أم احتقارا له؟ لا نستطيع الإجابة. ما الذي كان ينظر إليه، هل كان ينظر إلى الغروب أم الشروق؟ إن ذلك فعل الشعراء ونحن نعرف أنه ليس شاعرا، بالمعنى الذي نعرفه، ولكنه، بالتأكيد، يحدق في شروق وغروب آخرين، لا يعرفهما من في عيونه رمد.
سئل حنظلة: متى نرى وجهك؟ أجاب: «عندما تكون الكرامة العربية مصانة، وعندما يسترد العربي حريته الإنسانية» ويغيب الذل، برغم صمم العالم وموت الضمير البشري الأوروبي. وها هو حنظلة يلتفت، ها هو يرينا وجهه مشرقا بابتسامة استرداد الكرامة المسروقة من عصابات جمعتها الخرافة من جميع الجهات، وادعت، باسم تلك الخرافة، بحقها فى إخراج الناس من بيوتهم وحقولهم وتاريخهم وما يحملون من ذكريات.
هل يرضيك ما حدث كل الرضا يا حنظلة؟ كلا. إنه تحقيق أمنية واحدة من أمنيات تنتظر. الأمنية هذه التي تحققت ماهي إلا مرحلة، بيّنت هشاشة العدو، ورعبه النفسي، وجبنه، لأنه يشعر بعدوانه واغتصابه ما ليس له، وبينت من جانب آخر كيف يتحول الكم إلى كيف. لقد أدرك الفلسطينيون أن: «الصبر تلك فضيلة الأموات في برد المقابر تحت حكم الدود» لقد تراكم الصبر الفلسطيني فتحول إلى كيف، إلى قفزة انتقام عادل، وهو قانون لا يتخلف أبدا.
هل كنت تسمع ما نقول يا حنظلة؟ نعم كنت أرى تلك السيوف اللغوية التي تمثل «ليلا تهاوى كواكبه» كما يقول بشار، وأسمع تذمر الهواء الطلق منها، وأنين الكلمات، ولكني أبكي من فعلها العبثي هذا؛ لأنه يجسد قول المتنبي: «وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا» ألم تسمع شيئا ما يعجبك؟ بلى سمعت الصوت المدوي لأمل دنقل:
«لا تصالح ولو منحوك الذهب / أترى حين أفقأ عينيك ثم أركب جوهرتين مكانهما / هل ترى؟ / هي أشياء لا تشترى / لا تصالح فما ذنب تلك اليمامة / لترى العش محترقا فجأة / وهي تجلس فوق الرماد/ كيف تنظر في كف من صافحوك / فلا تبصر الدم في كل كف؟».