في المنح والمنع
- {أَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ «15» وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ «16»}. الفجر. تشير الآية إلى ردة فعل الإنسان عندما يكرمه الله وينعمه ويرزقه أفضل النعم، فيعتقد أنه لو لم يكن أفضل خلق لما رزقه الله بكل تلك النعم. وعندما يضيق الله عليه رزقه أو يمنعه عنه، يعتقد أنها إهانة من الله عز وجل وأنه لم يفعل أي شيئاً يستحق عليه هذه الإهانة أو هذا العقاب. - ربما قرأ الكثير منا هذه الآيات مئات المرات لكن القليل منا من لاحظ أنه ابتلاء في الحالتين، في المنح والمنع. وإذا أحب الله عبداً ابتلاه! يعرف الابتلاء على أنه الاختبار والامتحان، ويختبر الله سبحانه وتعالى عبده بالخير والشر على حد سواء. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ - وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً - وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ «35»} الأنبياء. إذاً فإن الله سبحانه يبتلي عبده بالمصائب ليختبر صبره وإيمانه، ويبتليه بالنعم ليختبر إنسانيته ودرجة حبه للدنيا وتعلقه بها.
- وأسباب الابتلاء كثيرة منها اختبار قوة إيمان العبد وصبره في مواجهة التحديات، هل سيجزع، ويكفر ويعترض على قضاء الله وقدره أم سيسلم لله، ويحتسب الأجر عنده ويتقرب أكثر له تعالى بالطاعات والعبادات ليرفع عنه الابتلاء، من أسباب الابتلاء أيضاً إما تطهير لبعض الذنوب أو زيادة لأجر وثواب المبتلى.
- يبتلي الله عبده أيضاً لتعليمه دروساً قيمة في الحياة تجعل منه إنساناً أكثر قوة، وتماسكاً، وحكمة وحصافة، وتكسبه خبرات ومهارات تجعله أفضل وأكثر صبراً في مواجهة مصاعب الحياة إضافة إلى أن الله يبتلي عبده لتوجيهه للطريق الصحيح الذي يكون فيه الخير له، أو لتذكيره بأهمية الأمور المعنوية والروحانية وبمهمته الحقيقية في هذه الحياة.
- وقد تجلت لنا أجمل أشكال العبادة والتقرب لله وقت المحن والابتلاءات في أدعية الأنبياء والصالحين كدعاء النبي يونس (ع) حين ناجى ربه من بين ظلمات ثلاث، ظلمة البحر، وظلمة الليل وظلمة بطن الحوت، وقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، اعترافاً منه بوحدانية الله تعالى وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به وبعظمته، وهو في أشد أنواع البلاء. ودعاء النبي أيوب (ع) بعد أن ضرب لنا أعظم صور الصبر على الابتلاء في ماله، وولده وجسده لسنين طوال، حتى نادى ربه قائلاً: {إِنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. وزكريا (ع) عندما دعا ربه متسلحاً بالأمل والإيمان، متمنياً الذرية الصالحة بالرغم من كبر سنه وزوجته وكونها عاقراً، قائلاً: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}. أيضاً دعاء امرأة فرعون، آسية وهي تحت التعذيب: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنَّة}، وقد خلد الله تعالى تلك الأدعية وأكثر في القرآن الكريم وفي قلوب المؤمنين.
- وفي الختام أقول، إذا كان الأنبياء، والأولياء والصالحون قد مروا بالابتلاءات منذ بدء الخليقة، فكيف لنا نحن أن نتجنبها؟