ما هي الـ أتوثانية؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجيما هي الـ أتوثانية؟ باحث في الكيمياء الفيزيائية يشرح النطاق الزمني الفائق القصر الذي كان وراء الأبحاث التي حازت على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023
What is an attosecond? A physical chemist explains the tiny time scale behind Nobel Prize-winning research
(بقلم: آرون دبليو هاريسون، أستاذ مساعد، كلية أوستن – Aaron W. Harrison)
حصلت مجموعة مكونة من ثلاثة باحثين على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023 عن عملهم الذي أحدث ثورة في الطريقة التي درسوا بها الإلكترون(1)، وذلك بتسليط ومضات ضوئية مدتها أتوثانية على جزيئاتء. ولكن ما هو طول مدة الـ أتوثانية، وما الذي يمكن لهذه الومضات الضوئية الفائقة جدًا في قصر المدة أن تخبر الباحثين عن طبيعة المادة المسلطة عليها هذه الونضات؟
لقد عرفتُ عن هذا المجال من البحث لأول مرة عندما كنت طالب دراسات عليا في الكيمياء الفيزيائية(2). كان لدى فريق المشرف على بحثي للدكتوراه مشروع مخصص لدراسة التفاعلات الكيميائية باستخدام ومضات ضوئية مدتها أتوثانية(3). قبل أن نفهم لماذا أدى بحث الـ أتوثانية إلى حصول هؤلاء الباحثين الثلاثة على الجائزة المرموقة في العلوم، من المفيد أن نفهم ما هي الومضة الضوئية التي طول مدتها أتوثانية.
الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023، المصدر: منظمة جائزة نوبل
ما طول مدة الـ أتوثانية؟
“أتو atto” هي بادئة كتابة رقم علمي(4، 5) تساوي 10 أس سالب 18[أي عدد مضروب في 18-10] ، وهي علامة عشرية حيث يأتي قبل الفاصلة من جهة اليمين 17 صفرًا وبعد هذه الأصفار رقم 1. لذا فإن ومضة الضوء التي تدوم أتوثانية، أو 0.000000000000000001 من الثانية، هي ومضة ضوئية مدتها فائقة جدًا في القصر.
{في الواقع، عدد الـ أتوثواني في الثانية الواحدة يساوي تقريبًا عدد الثواني في عمر الكون كله(6)}.
في السابق، كان بإمكان الباحثين دراسة حركة نوى الذرات(7) الأثقل والأبطأ حركة باستخدام ومضات ضوئية طول مدتها فيمتوثانية ( 15-10) أي عشوة أس سالب 15)(8).. هناك ألف أتوثانية في الـ فيمتوثانية الواحدة. لكن الباحثين لم يتمكنوا من رؤية الحركة على مستوى الإلكترون حتى تمكنوا من توليد ومضات ضوئية مدتها أتوثانية – تتحرك الإلكترونات بسرعة بالغة جدًا بحيث لا يستطيع الباحثون تحليل ما يجري بالضبط عند مستوى الـ فيمتوثانية.
طول مدة الـ أتوثانية فائقة القصر بشكل لا يصدق بالمقارنة مع الثانية الواحدة. © يوهان جارنيستادمن الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم،
ومضات طول مدتها أتو ثانية
إن إعادة توزيع (ترتيب) الإلكترونات حول الذرات والجزيئات(9) أساسية لتوجيه الكثير من العمليات الفيزيائية، وهي أساس كل عملية من عمليات الكيمياء تقريبًا. ولذلك، بذل الباحثون الكثير من الجهد لمعرفة كيف تتحرك الإلكترونات وكيف تعيد توزيعها حول النواة.
ولكن الإلكترونات تتحرك بسرعة فائقة جدًا في العمليات الفيزيائية والكيميائية، مما يصعب دراستها على الباحثين. لاستكشاف هذه العمليات، استخدم العلماء التحليل الطيفي(10)، وهو طريقة لفحص كيف تمتص المادة الضوء أو تبعثه (تصدره). ولمتابعة الإلكترونات في الزمن الفعلي(11) ، يحتاج الباحثون إلى ومضة ضوئية أقصر من المدة الزمنية التي تستغرقها الإلكترونات لإعادة تنظيمها (توزيعها)(9).
تعد تقنية التحليل الطيفي Pump-probe spectroscopy)) تقنية شائعة في الفيزياء والكيمياء [ وهي من تقنيات البصريات اللاخطية(12)] ويمكن إجراؤها باستخدام ومضات ضوئية مدتها الزمنية أتوثانية.
على سبيل المقارنة، تخيل كاميرا تتمكن من التقاط صور ضوئية باستخدام تعريض ضوئي طويل المدة(13)، حوالي ثانية واحدة. أشياء متحركة، مثل شخص يركض نحو الكاميرا أو طائر يطير في عرض السماء ، ستظهر ضبابية في هذه الصور الملتقطة، وسيكون من الصعب رؤية تفاصيل ما يحدث بالضبط.
تخيل أنك تستخدم كاميرا بتعريض ضوئي تبلغ مدته مللي ثانية واحدة. الآن، الحركة التي كانت ضبابية في الصور السابقة تظهر بوضوح ودقة جيدة في هذه اللقطات الجديدة . وعلى هذا القياس يمكن استخدام مقياس الـ أتوثانية، بدلاً من مقياس الـ فيمتوثانية، لتتبع سلوك الإلكترونات.
بحوث تعتمد مقياس الـ أتوثانية
إذًا ما هو نوع الأسئلة البحثية التي يمكن لومضات ضوئية طولها أتوثانية أن تساعد في الإجابة عليها؟
أولاً، يعد كسر الروابط الكيميائية عملية أساسية في الطبيعة حيث تنفصل الإلكترونات التي تشترك فيها ذرتان (المشتركة بين ذرتين) إلى ذرتين منفصلتين. الإلكترونات المشتركة بين ذرتين سابقًا تخضع لتغيرات فائقة السرعة خلال هذه العملية، الومضات الضوئية(14) التي مدتها أتوثانية قد أتاحت للباحثين متابعة انكسار الروابط الكيميائية في الزمن الفعلي.
أصبحت القدرة على توليد ومضات ضوئية طول مدتها أتو ثانية(15) ــ وهو البحث الذي حصل بسببه ثلاثة باحثين على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023 ــ ممكنة لأول مرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واستمر هذا الحقل البحثي في النمو بشكل سريع منذ ذلك الحين(16). بالتقاط صور مدتها فائقة القصر لكل من الذرات والجزيئات، التحليل الطيفي على مقياس الـ أتوثانية ساعد الباحثين على فهم سلوك الإلكترون في كل جزيء من الجزيئات، مثلًا، كيف انتقلت شحنة الإلكترون من ذرة إلى أخرى(17) وكيف تتفكك (تنكسر) الروابط الكيميائية بين الذرات(18).
تم أيضًا تطبيق تقنية الـ أتوثانية على نطاق أوسع لدراسة كيف تتصرف الإلكترونات في الماء السائل(19) وكذلك انتقال الإلكترونات في أشباه الموصلات في الحالة الصلبة (olid(state semiconductors. ومع استمرار الباحثين في تحسين قدرتهم على إنتاج ومضات ضوئية مدتها أتوثانية، سيتوصلون الى فهم أعمق لتصرفات الجسيمات الأولية الأساسية(20) المكونة للمادة.