خبئ أسرارك في بئر.. حكايا لأحفادي!
بعض الأفكار تحتاج إلى مقدمة توضحها وهذه الفكرة تحتاج إلى ضوء يجعلها واضحة. مقدمة مهمة لأحفادي الذين هم في عمر قيادة السيارة.
للأسف كل يوم نرى حادث تصادم بين سيارتين أو ثلاث، يمكن أكثر من مرة واحدة كلّ يوم. تتعدد الأسباب والسبب الرئيس هو عدم ترك مسافة أمان بين المركبات. من تجربة شخصيّة كل الحوادث التي حصلت لي كانت مسافة الأمان السبب فيها. من لا يصدق فليشاهد السائقين في ساعات الذروة كم هم ملتصقون ببعضهم جدًّا. الكلّ في عجلة، سائقٌ يسابق ثانيًا من اليمين وثالث من الشمال ورابع من الخلف ولو استطاع خامس أن يكون من فوق لفعل!
المسافات تتكرر في حياتنا، وأهم المسافات هي المسافات الاجتماعية الخاصة. لا تقل فلان صديقي وأخي، كل أسراري يعرفها وأعرف كل أسراره. فلان قد يصدمك صدمةً لا يمكن إصلاحها. احتفظ بمسافة اجتماعية آمنة مع كل شخص في الحياة، لا تقل زميلي أو زميلتي في العمل ما بيننا أسرار، يعرفون ما يحتاجون معرفته والباقي من مكنونات الصدور!
الغريب في هذه الآونة أن الناس ينشرون أسرارهم مثل الغسيل تحت أشعة الشمس. الكلّ يعرف أين هم وما يأكلون وما في بيوتهم ومع من يجيئون ويذهبون؛ كل حياتهم صفحة مفتوحة للقراء، من شاء فليقرأ!
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كلّ ذي نعمة محسود". من السذاجة أن تكون حياتنا مكشوفة وكما يقال في المثل الغربي: “Good fences make good neighbors” الأسوار الجيدة تصنع جيرانًا جيدين؛ جاري يبقى جارًا بيني وبينه مسافة، أخي يبقى أخًا وابن أمّ وبيني وبينه أشياء لا يحتاج أن يعرفها.
أنا وأنت لا يمكننا العيش من دون آخر نأنس به، قريب أو صديق، والمسافات الاجتماعية لا تعني العيش في غابة إنما تحديد البعد الكافي من أجل الإقلال من الاحتكاك وتنظيم الاصطدام السلبي. وما مشاكل الناس والمجتمعات والأقارب والأباعد من الناس إلا من التصادم السلبي!
ما أردت أن أقوله هو: اختر من يستحقّ أن تكون قريبًا منه ومحطّ أسرارك. الناس درجات والأهل والأصدقاء درجات. اترك مسافة كافية في كل الأحوال حتى لا تتفاجأ بأن القرب كان في غير محله.
لا تصدق من يقول لك: سرك في بئر. أفضل الآبارِ صدرك. هو فعلًا الإمام عليّ عليه السلام كان يودع أسراره في بئر وفي ذلك يقول:
وفي الصدر لباناتٌ * إذا ضاق لها صدري
نكت الأرضَ بالكفّ * وأبديت لها سري
فمهما تنبت الأرضُ * فذاك النبت من بذري
الحياة حرب، ينتصر من يحتفظ بخطة القتال!