" وحوش أنيقة"
ــــ شخص بلا ضمير وحش أُطلق في الشوارع ، ألبير كامو.
غالباً ما يطرح أحدنا هذا السؤال على نفسه: لم بعض الأشخاص لا يعرفون الحياء أو الخجل الفطري؟
ولأننا لا نلجأ للعلم الذي توغل في العقل البشري ، نلجأ للتفسيرات السطحية أو الاخلاقية ونتوقف عندها لكن العلم الحديث كشف لنا عن حقائق مذهلة،
بعض البشر محكوم عليه بالقذارة وهو يتصرف تحت سلطة عقل مختل لكن بأقنعة شديدة التعقيد والمهارة والاخفاء. من المؤسف ان هذا الكتاب الذي صار مرجعاً في الطب النفسي وتشريح الدماغ وفي الادب ودراسة الشخصيات وعالمها الذاتي الخفي،
لعالم النفس والاعصاب الكندي روبرت. د. هير، غير مترجم للغة العربية عدا مقالات وتسجيلات على اليوتوب، وإلا كان جنبنا الكثير من الوقت والمشقة والنصائح الضائعة. يثبت روبرت في كتابه" بلا ضمير" عن طريق تشريح الدماغ والصور المقطعية المؤكدة، إن بعض الاشخاص يولدون عضويا بلا ضمير،
أي ان مركز الضمير والعواطف والمشاعر والشعور بالندم والتعاطف والتضامن غير موجود أو أصغر من حجم الدماغ السوي في الجانب الايسر من الدماغ ــ Amygdala القشرة اللوزية، وهؤلاء يعوضون عن ذلك بالاقنعة والتلاعب والكذب، ويفعلون ما يتوقعه منهم الناس في الظاهر، ويعيشون على حافة الهاوية وتبني انبل الافكار وتقمص أجمل الأدوار من خلال مبادئ وقيم وعقائد كأقنعة، لكنهم من أحقر ما في الكون من مخلوقات التي من الصعب اطلاق صفة بشر عليها لأنها لا تتمتع إلا بالشر من خلال حيل ومكائد وعقائد وأفكار كأقنعة، مما يجعل إكتشافها صعباً جداً، وقد تعيش مع شخص من هذا النوع سنوات وسنوات دون أن تعرف أنه بلا ضمير عضوياً،
ما لم تكن على معرفة بعلم النفس والأمراض الخفية، لقدرة هؤلاء على التخفي والمراوغة والاقنعة مع نسبة ذكاء مرتفعة توظف للشر وقد يقومون بأعمال بر كثيرة للتخفي وفي أعلى المراكز وحملة شهادات عليا حتى ان عالمة في علم النفس والاعصاب هيلين دويتش وضعت كتابا عن هذا الصنف" " المحتال المقنّع" تقول انها إكتشفت ان هؤلاء حتى في محيط قريب لها وقدرة على التخفي فريدة وتعدد هائل في الشخصيات. إن محاولة مخاطبة ضمائر هؤلاء تشبه مخاطبة ذئب في الكف عن أكل الخراف، عملية ميؤس منها لانعدام التام للضمير، وهم في السر أخطر من الذئاب لأن متعتهم تتضمن البحث عن اللذة في الشر والأذى والألم وليس الشبع الذي تكتفي به الحيوانات المفترسة والمتعة في الشر تطور خطير في السلوك المتوحش المبرقع والتخطيط المجهري التفصيلي لكل خطوة وسلوك وكلمة وعلاقاتهم محسوبة كمعادلة حسابية من الاول للاخير والضحية تمثل دورا في سيناريو جاهز ومن مراحل منظمة تجري حسب خبرة وتجارب سابقة مثل كتاب مفتوح وكل شيء يتم بتلقائية لكثرة الممارسة، البربري القديم يكتفي بالقتل بلا متعة. لكن الشر تطور وهو ليس نقيض الخير القديم بل نقيض الشر القديم.
ترتفع نسبة هؤلاء في المجتمعات المغلقة القمعية التقليدية، التي توفر غطاءً مثالياً للتخفي والتستر بسبب معتقدات وأفكار وثقافة التسامح والتحمل ومنح الآخر فرصة والستر والعفو والصبر وحسن الظن وتربية مثالية تصور الناس بصورة نموذجية مشرقة، وتتشابك مع هؤلاء عواطف حارة بدوافع متسامحة أو غير مدركة لا تعرف هذه المخلوقات الخفية السامة، وقد يفوت الأوان غالباً عندما تكتشف الضحية أو الضحايا انهم أمام نمط سلوكي منظم يجري بخطوات ثابتة بضمير معاق عضوياً، وأمام حيوان مفترس في حالة قنص دائم ودراسة ضحيته، والتماهي والتطابق والتزلف معها حتى السيطرة، ثم تكشير الأنياب وهنا تأتي صدمة الضحايا.
قبل روبرت هير واكتشافه المذهل بالصور وتشريح الدماغ، كان أهلنا البسطاء قد تحدثوا في الأمثال عن: " الضمير الميت، أو وجه صفيح". وجه صفيح / تعني ملامح جامدة ولا يعرف الخجل، وهذا ما أثبته العلم الحديث: السيكوباث، النرجسي المرضي، لا يخجل ولا يندم على أحط الأفعال ويعتقد أن هذا من حقه ويتباهي بها بتضخم الأنا ونظرة مكبرة للذات والسبب إنعدام الضمير المنبه وذات مشوهة ترى الناس بصورة مقلوبة ومخيفة لكنها مغطاة بدهاء مسرحي، وكل هذه الضحالة الاخلاقية تجري في السر بعيداً عن أقرب الناس اليه والناس عنده أرقام بلا عواطف ولا مشاعر ويستبدل هؤلاء بأقل من مشقة تبديل الجوارب دون أن يلتفت الى الخلف كحيوان مفترس إنتهى من الطريدة في انتظار قنص وصيد آخر وهو وصف طبي لهؤلاء.
هؤلاء كما يقول البروفسور عالم الدماغ والاعصاب روبرت يعيشون حولنا ، لكنهم يرتدون أجمل الأقنعة ويتبنون أفضل الأفكار في الظاهر، مع جاذبية سطحية للتغطية، ونحن ندخل معهم في حوارات منظمة ومنسقة منهم حول المباديء والاخلاق والسياسة والشرف والاخلاص والحب والنظافة النفسية وكل العناوين الأخرى السوية وحتى في علاقات عاطفية، مع أن هؤلاء أبعد الناس عنها، وهذه العناوين ليست سوى عدة الصيد وغطاء الفخ.
عندما تكون في علاقة مع هذا الصنف المحتال ستشعر برسائل غامضة من أعماقك تنذرك بوجود تهديد وخطر، لأن الجسد محاط بشبكة حماية عظيمة ومذهلة وخلايا رصد للطقس والخطر والمرض وكل علامات العالم الواقعي، إصغ لهذه الرسائل قبل الانقضاض عليك وأنت في تمام فرحك وشغفك وبراءتك.