الآثار السلبيّة لسوء الظّن بالناس:
إنّ اتساع دائرة سوء الظن في المجتمعات البشرية يترتّب عليها آثار سلبية وخيمة ومضرّات كثيرة،أهمّها ما يأتي:
أ- إنّ من أسوأ الآثار السلبيّة لهذه الرذيلة الأخلاقية على المستوى الاجتماعي، هو زوال الثقة بين أفراد المجتمع، والذي يعدّ محور المجتمعات البشرية، والعنصر المهم في عملية شدّ مفاصل المجتمع وتقوية الوشائج والعلاقات التي تربط بين أفراده، ومن ذلك قول الإمام علي عليه السلام : "شَرُّ النّاسِ مَنْ لا يَثِقُ بِأَحَد لِسُوءِ ظَنَّهِ وَلا يَثِقُ بِهِ أَحَذٌ لِسُوءِ فِعلِهِ"12.
فنجد أنّ المجتمع البشري الذي يسوده عدم الثقة بين أفراده،مثل هذا المجتمع تتبخّر فيه أجواء التعاون والتكاتف وتزول منه البركات الكثيرة للحياة المشتركة في حياة الإنسان نقرأ في الحديث الشريف عن الإمام علي عليه السلام قوله: "مَنْ سـاءَتْ ظُنُونُهُ،اعتَقَدَ الخِيـانَةَ بِمَنْ لا يَخُونُهُ"13.
ب- إنّ سوء الظن يؤدّي إلى تدمير وتخريب الهدوء النفسي والروحي لذلك المجتمع، كما يميت الهدوء النفسي لأصحاب هذه الرذيلة الأخلاقية، فمن يعِش سوء الظن لا يجد الراحة والاطمئنان في علاقته مع الآخرين، ويخاف من الجميع، وأحياناً يتصوّر أنّ جميع الأفراد يتحرّكون للوقيعة به ويسعون ضدّه، فيعيش في حالة دفاعية دائماً، وبذلك يستنزف طاقاته وقابلياته بهذه الصورة الموهومة.
ج- ومضافاً إلى ذلك، فإنّ في الكثير من الموارد نجد الإنسان يتحرّك وراء سوء ظنه، ويترجم سوء الظن هذا إلى عمل وممارسة، وبالتالي يوقعه في مشاكل كثيرة، وأحياناً يؤدّي به إلى ارتكاب جريمة سفك الدماء البريئة. وخاصة إذا كان سوء الظن يتعلّق بالعرض والناموس، أو يتصوّر أنّ الآخرين يتآمرون عليه ويهدفون إلى الوقيعة به في ماله أو عرضه، بحيث يمكن القول إنّ العامل الأصلي للكثير من الحالات الجنائية
هو سوء الظن، الذي لا يقف على أساس متين، والذي يدفع الإنسان إلى ارتكاب حالات العدوان والجريمة بحقّ الأبرياء، ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "سُوءُ الظَّنِّ يُفْسِدُ الأمُورَ وَيَبْعَثُ عَلَى الشُّروُرِ"14.
وعلى سبيل المثال، نشير إلى هذه الحادثة: دخل الطبيب النفسي يوماً ليعود مرضاه في مستشفى المجانين والمتخلّفين عقلياً،فرأى رجلاً قد جيء به حديثاً إلى هذا المكان، وهو يرّدد كلمة منديل مرّات عديدة، وعند ما بحث هذا الطبيب النفسي عن حاله، واستقصى مرضه العقلي، رأى أنّ السبب في جنون هذا الشخص
هو أنّه رأى يوماً في حقيبة زوجته منديلاً يحتوى على قنينة عطر وبعض الهدايا المناسبة للرجال، فأساء الظن بزوجته فوراً، وتصوّر أنّها على ارتباط برجل أجنبي؛ فكان أن قتلها بدافع من الغضب الشديد وبدون تحقيق وفحص، وبعد أن فتح المنديل رأى في طيّاته ورقة كتب عليها، هذه هدية منّي إلى زوجي العزيز بذكرى يوم ولادته. وفجأة، أصابته وخزة شديدة، وشعر بضربة عنيفة في أعماق روحه، أدّت إلى جنونه، فكان يتذكّر هذا المنديل ويكرّره على لسانه.
د- إنّ سوء الظن يتسبّب في أن يفقد الإنسان أصدقاءه ورفاقه بسرعة، وبالتالي يعيش الوحدة والانفراد والعزلة، وهذه الحالة هي أصعب الحالات النفسية الّتي يواجهها الفرد في الحياة الاجتماعية؛ لأنّ كلّ إنسان يحترم مكانته وشخصيته، نجده غير مستعد لأن يعيش ويعاشر الشخص الذي يسيء الظن بأعماله الخيرة وسلوكياته الصالحة ويتّهمه بأنواع التهم الباطلة، وقد ورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال: "مَنْ غَلَبَ عَلَيهِ سُوءُ الظَّنِّ، لَم يَترُكْ بَينَهُ وَبَينَ خَلِيل صُلحَاً"15.
هـ- إنّ سوء الظن باعتباره انحرافاً فكريّاً، فإنّه سيؤثّر بالتدريج على أفكار الإنسان الأخرى، وسيقود تصوّراته وأفكاره في طريق الانحراف أيضاً، فتكون تحليلاته بعيدة عن الواقع ومجانبة للصواب، فيمنعه ذلك من التقدّم، ونيل التوفيق في حركة الحياة، وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "مَنْ سـاءَ ظَنُّهُ، سـاءَ وَهمُهُ"16.
----------------------------------------------
12-ابن أبي الحديد، شرح النهج،ج18، ص379.
13-الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص436.
14-الواسطي، عيون الحكم والمواعظ،،ص 283.
15-الواسطي، عيون الحكم والمواعظ،ص433.
16-الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص430