آه، أخيرًا جاء فصلُ الخريف وقريبًا يبرد الجوّ وتلطف الأجواء. وعندما تلطف الأجواء نجد فرصة لتنظيف المخزن من الأشياء التي تكدست فيه أو نجري صيانة دورة المياه التي أخرنا صيانتها بسبب شدة الحرارة، نشاطات ومهامّ كثيرة أجّلناها لفصل الشتاء من أجل تخفيف الفوضى في المنزل استعدادًا لدورة وسنةٍ جديدة من الحياة.
الفوضى أيضًا تصيب العقول Mental Clutter ولا يستطيع أحد أن يقول: الكبار هم من تصيبهم والشباب بعيدون عن الفوضى العقلية. أشياء كثيرة تشغل عقول الشباب وربما أكثر من الكبار؛ دراسة، عمل، مستقبل، علاقات، أسرة، دين، أفكار مستجدة، عدّ ما شئتَ من أمور الحياة التي تجرّنا وتشدنا في مليون اتجاه مختلف.
في الفوضى العقلية يكون في أذهاننا الكثير من الأفكار مما يجعل من الصعب معالجتها والتركيز على الأهمّ منها. إن هذه الفوضى العقلية تعطل إنتاجنا وتوازننَا وتخرب صحتنا العقلية والجسمية.
خلاصة الفكرة: كل شيء في وقته جميل؛ سوف تأتي الأشياء بإذن الله كما نرغب بشرط أن نبذل قصارى جهدنا ولا داعي للقلق. أما النوم والحلم بأن يوم غد سوف يكون يومًا مشرقًا وجميلًا من دون تخطيط أو عمل فتلك مغامرة أقرب إلى المقامرة بالمستقبل. الفرص كثيرة وافرة وتحتاج إلى ذهنٍ صافٍ من أجل التقاطها أما تشتت الذهن فإليكم هذه الحكاية القديمة التي توضح مضاره:
يحكى أن رجلًا اسمه "خراش" ذهب للصيد وكان الصيد وافرًا؛ الظباء تخرج من أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، فوقف باهتًا ينظر يمينًا وشمالًا ولم يصطَد منها واحدة فقال:
تكاثرت الظباءُ على خراشٍ ... فما يدري خراشٌ ما يصيدُ
هكذا هي الفوضى تافهة، سواء أكانت في ترتيب حجرتنا ومنامنا Household Clutter أم كبيرة في تنظيم الأفكار في أدمغتنا لا بد من التغلب عليها. المنزل هو المكان الذي يمكننا فيه الراحة والاسترخاء، والفوضى يمكن أن تجعل من الصعب القيام بذلك. تكاثر الأمور التافهة في عقولنا وتشتت أفكارنا أخطر من تكاثر الأمور التافهة في حجرة منامنا والآن حان الوقت للتخلص من فوضى حجرة المنام وحجرة العقل!
زمن المشي وركوب الدابة انتهى؛ نحن نعيش حياةً سريعة الخطى وهذا لن يتغير في أيّ وقت قريب. المهم بالنسبة لنا التركيز على الأشياء -الأهم- التي تؤثر على حياتنا بدرجة كبيرة كما ينصح الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- بقوله: "من اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم". {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، جميع حركاتهم وسكناتهم تتجه لهدفٍ واحد مفيد وبناء؛ لأن اللغو والفوضى في حياتنا يعني الأعمال التافهة غير المفيدة وكل قولٍ أو عملٍ لا فائدة فيه.